القسم الأول: تشدد في ذلك، ومنع الاستمتاع بالحائض إلا فيما فوق الإزار، ومن هذا القسم أكثر الفقهاء، أو ما نعرفهم فقهًا بجمهور الفقهاء (١).
القسم الثاني: خَالَفوا في ذَلكَ، ومن هذا القسم الإمام أحمد في الرواية الأُخرى عنه، ورُوِيَ هذا عن بَعْض التَّابعين (٢).
وَسَببُ الخلَاف في ذَلكَ: هُوَ اختلافُهُم في مَفْهوم الآية التي وَرَدتْ في ذلك (وَهي آيةُ الحَيض)؛ وهي قَوْل اللّه -سبحانه وتعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، ثمَّ قَالَ:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، فقَوْله:{قُلْ هُوَ أَذًى}: وصفٌ، وقوله:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}: حكم رُتِّبَ على الوصف.
مثال توضيحي:
هذا كقول اللّه -سبحانه وتعالى-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، فالحُكْمُ هُوَ قطعُ يد السَّارق والسَّارقة، والعلةُ في ذلك هي السرقة، فَسَببُ قَطع اليد إنما هي السرقة.
مثال توضيحيٌّ آخر:
هُوَ قَوْله -سبحانه وتعالى-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢]، فالجَلْدُ: حُكْمٌ، وَسَببُهُ إنَّما هو الزِّنا، ولكلٍّ من السرقة والزنا شروط، فَالسَّرقة لا بدَّ أن تكون من حرزٍ، وأن يكون السارق بالغًا … إلى آخر
(١) تقدم ذكر أقوال كل فريق منهم. (٢) تقدم ذكر أقوال كل فريق منهم.