وقصة هذه الآية أن زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ قد اجتَمَعْنَ حَوْلَهُ للمطالَبة بالزيادة في النفقة، بالرغم من معرفتهن بالحال التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يَخْتَرْ لنفسه أن يكون مَلِكًا من ملوك الدنيا، وإنما أَعْرَضَ - صلى الله عليه وسلم - عن زينة الدنيا وزخرفها واختار أن يكون عبدًا رسولًا (١)، فكان ربما يمرّ عليه الشهر وليس في بيته من الطعام إلا التمر والماء، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - قد رَبَطَ الحجارةَ على بطنه من شدّة الجوع (٢)، لأنه كان يعلم علم اليقين فناء هذه الحياة الدنيا وبقاء ما عند الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص: ٨٣].
فجاء في "الصحيحين"(٣) وفي غيرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان ما كان من اجتماع زوجاته لمطالبته بالزيادة في نفقتهن، أنزل الله تعالى عليه هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
(١) أخرج البخاري (٣٦٥٤) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الناس وقال: "إن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله". (٢) أخرج مسلم (٦) عن أنس بن مالك، قال: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة، قال أسامة: وأنا أشك على حجر، فقلت لبعض أصحابه لم عصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطنه؟ فقالوا: من الجوع. (٣) أخرجه البخاري (٤٧٨٦)، ومسلم (١٤٧٥).