أهل الظاهر لا يأخذون بالقياس، وإنما يردونه، ويرون أن من قاس دين اللّه فقد ابتدع، وجاء في أثر علي:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه"(١)؛ لأن الذي يطأ على الأرض ويتعرض للأوساخ والنجاسات أسفل الخف.
والعبادات توقيفية:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[النور: ٥١]؛ فكل ما جاء عن اللّه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الواضحة ينبغي أن نسلم وأن نقف عنده وألا نتردد في ذلك؛ لأن هذا فيه حياتنا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: ٢٤].
ولا شك أن رأي أهل الظاهر ضعيف، وكونهم يردون القياس هذا حقيقة كلام غير مقبول، فاللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول في كتابه العزيز:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: ٢]، والاعتبار إنما هو المقايسة.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - قاس وفي أمر هام وخطير عندما جاءه رجل مغضب متأثر يشكو ويقول: إنه ولد له ولد يخالف لونه لون أمه وأبيه فسأله رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - سؤال:"هل لك من إبل؟ " قال: نعم قال: "وما ألوانها؟ " قال: حمراء. قال:"فيها من أورق؟ " قال: نعم قال: "وأنى ذلك؟ " يعني: كيف جاء ذلك؟ قال: لعله نزعها عرق قال: "ولعل ابنك نزعه عرق"(٢)؛
(١) أخرجه أبو داود (١٦٢)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود - الأم" (١٥٣). (٢) أخرجه البخاري (٥٣٠٥) ولفظه: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللّه، ولد لي غلام أسود، فقال: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: "فأنى ذلك؟ " قال: لعله نزعه عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نزعه"، ومسلم (١٥٠٠).