اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}، فمهما دفعتم إلى هذه المرأة، وإن كان المدفوع إليها كبيرًا فلا ينبغي أن تضعف النفوس في هذا المقام، وأن تطمع فيما قُدم إليها، ثم ذكر الله تعالى العلة فقال: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠)} افتراءً وإثمًا وكذبًا مبينًا.
ثم إن الله - سبحانه وتعالى - أراد أن يبين تلك العلاقة التي أشار إليها الله - سبحانه وتعالى - في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)} [الروم: ٢١].
ولا شك أن هذا المهر مما تتقوى به المحبة والألفة والرحمة كما في قوله تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}، وقد جامع بعضكم بعضًا (١)، أو جلس بعضكم ببعض فحصلت العشرة واللقاء (٢)، كيف تنزل هذه النفس عن ما قدمت عن طيب نفس وقناعة: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٢١)}.
فالله تعالى أمر بالإمساك بالمعروف، أو تسريح بإحسان كما قال - سبحانه وتعالى -: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩].
ونجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع التي حجها في السنة العاشرة في خطبته البليغة التي أشار فيها إلى قواعد الإسلام، ومما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم
(١) أخرجه مجاهد في "تفسيره" (ص ٢٧١) في قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} قال: "يعني: المجامعة، {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٢١)} قال: يعني: كلمة النكاح التي استحل بها الفرج". وبنحوه أخرجه الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس (٦/ ٥٤١). (٢) قال الواحدي: "هذا القول اختيار الفراء في الإفضاء، ومذهب أبي حنيفة؛ لأن الخلوة عنده تمنع من الرجوع في شيء من المهر بالطلاق". انظر: "التفسير البسيط" (٦/ ٤٠٤).