يُرهِبَ ويخيف الأعداء، فلم يُرد - رضي الله عنه - أن يتعالى أو يتعاظم أو يتكبر؛ لأنه يدرك معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا"(١)، وقوله أيضًا:"ومن تواضع لله رفعه"(٢).
فصنيعُ أبي دجانة سبحانه وتعالى جاء موافقًا لِما صنعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر به أصحابه؛ حين أراد أن يُظهِرَ لهم قوة المسلمين، وأنهم ليسوا ضعفاء كما زعمت قريش حيث قالت: يأتيكم أقوامٌ من أهل يثرب، وهنتهم حمى يثرب؛ فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يرملوا، فظهر لقريش أن المسلمين أقوياء.
هذا الحديث الذي أورده المؤلف، نُقِلَ في بعض كتب الحديث، كما عند ابن حبان، وأبي يعلى الموصلي، والبزَّار، واللفظ المشهور منه:"إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ"، وهذا الحديث سببه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة - رضي الله عنها - فوجدها قد صنعت نبيذًا في كوز، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجده يغلي، فقال:"ما هذا؟ "، فقالت: شكت ابنتي، فصنعت لها هذا النبيذ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ"، وفي الحديث الصحيح:"تَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِمحرَّمٍ"(٤)، فالدواء مطلوب، واللّه سبحانه وتعالى ما أنزل داءً إلا وجعل له دواء، لكن لا يجوز التداوي بالمحرم.
يريد المؤلف أن يقول: وأما الشيء المستباح فهو أصلًا حرام،
(١) أخرجه ابن رشد في "جامعه" (٢٠١٥٣)، بنحو هذا اللفظ. (٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٤٦٦٣). (٣) هو موقوف على ابن مسعود - رضي الله عنه -، أخرجه عبد الرزاق (١٧٠٩٧)، وغيره. (٤) أخرجه أبو داود (٣٨٧٤)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.