نرى أن الحنفية الذين توسعوا في القياس، لا يقدمونه على الحديث، وما نُسِبَ إلى أبي حنيفة فهو غير صحيح؛ لأنه لما سئِلَ؛ قال: إذا جاء الأمر عن الله فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن رسول الله فعلى العين والرأس، وإذا اتفق الصحابة على أمر؛ أخذناه، وإذا اختلفوا؛ اخترنا من أقوالهم. إذن هو لا يُقَدَّم قياسًا مهما كان على حديثٍ صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن هذا الحديث جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى.
والقياس إنما يُبنى على وجوه العلة، وهو دائمًا يعتمد على العقل السليم، الذي سماه المؤلف الذوق السليم، وقد جاء عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال:"لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه"(١)، لكن الدين ليس بالرأي؛ وإنما يُتلقى عن كتاب الله سبحانه وتعالى وعن نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما تُلُقِّيَ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دُوِّنَ في هذه السنة المطهرة التي نُقِلَت إلينا بحمد الله بعد أن مُحِّصت وجُرِّدَت من كل حديثٍ موضوع وضعيف، وبُيِّن صحيحها من زيفها.
ولذلك فإن أبا بكر - رضي الله عنه - عندما جاءته الجدة تسأل عن ميراثها؛ نظر في كتاب الله، فقال: لا أجد لك شيئًا، وفي سنة رسول الله قال: لا أجد شيئًا، وما انتقل إلى القياس؛ وإنما أخذ يسأل الصحابة - رضي الله عنهم - حتى جاءه المغيرة فأخبره أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطى الجدة السدس، فورَّثها (٢)، وهكذا غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - فقد يحفظ هذا ما لا يحفظ هذا.