وما أُرِيدُ الوصول إليه ألَّا يتسرع طلاب العلم -الذين هم في أول الطريق- في إصدار بعض الأحكام التي لا ينبغي أن تصدر إلا من طلاب العلم الذين ذَكَرهم الله سبحانهُ وتعالى فيما يتعلق بالفقه بالدين، فقال:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢].
وقد بَيَّنهم الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه؛ من حديث مُعَاويةَ:"مَنْ يُرِدِ الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدِّين"(١).
وَكَمْ قرَأنا ووَقَفنا على عَدَدٍ ممَّن كَانَ فِي عَهْد الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-، فيَأْتيه وفد عبد القيس، وَيأْتيه غَيْرُهُ من الَّذين يأتون إلى هذا المسجد، فَيَحْملون عَنْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمًا.
وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح:"بَلِّغوا عنِّي ولو آيةً، وحَدِّثوا عَنْ بني إسرائيل ولا حَرَج"(٢)، لكنَّه قيَّد ذلك في الأخير بقوله:"ومَنْ كَذَب عَليَّ متعمدًا، فَلْيتبوَّأ مقعدَه من النَّار"(٣)، ولا شكَّ أن الذي يَكْذب حديثًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يَدْخل في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَذَب عليَّ … ".
ومَنْ يَفْترِ على كتاب الله عزَّ وجلَّ، وعلى سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو يدَّعي من العلم ما ليس عنده، أو يُصْدر من الأحكام ما يُنْسَب إلى كتاب الله عزَّ وجلَّ، وإلى سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- دون أن يكون على عِلْمٍ -وأخطر من ذلك أن يكون عن جهلٍ، أو أن يكون عن هوًى- فقد ضلَّ ضلالًا مبينًا، وإذا كان الله سبحانهُ وتعالى يقول لنبيِّه داود عليه السَّلام:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]، يُخَاطِبُ اللهُ تَعالَى نبيَّه داود عليه السَّلام، محذِّرًا إياه من اتِّباع الهوى، والقصد من ذلك: أن نستفيدَ نحن المسلمين من مثل هذا الموقف.