فبعض الناس يُحبُّ الأرز، وربما لا يأكل غيره من هذه الأنواع، وبعض الناس تميل نفسُهُ إلى التمر، وبعض الناس أيضًا إلى الشعير، وبعضهم إلى الذرة، إلى الدُّخن، إلى غير ذلك، فلماذا نُضيِّق على الناس، والقصدُ من ذلك هو إخراج زَكَاةٍ من طعامٍ القصدُ فيها تطهير النفس، وأيضًا مُراعاة أحوال المساكين، ومواساتهم في هذه الأيام التي ينبغي أن يكونوا فيها سعداء.
"صَاعًا من طَعَامٍ"، هذا اخْتُلِفَ فيه، بعضهم فسَّره بالبُرِّ، وإذا فسَّرناه بالبُرِّ، سيزول الإشكالَ عن مسألةٍ قادمةٍ، وهي: قضية هل يُكْتفى بإخراج مُدَّين يعني: نصف صاعٍ من القمح أو لا؟ لو فُسِّر الطعام بالقمح (٣)، نقول: هذا نصٌّ في حديثٍ متفقٍ عليه، فينبغي أن نقف عنده، وسيأتي الخلاف فيِ هذه المسألة، وأنه وَرَدتْ أحَاديثُ فيها نصفُ صَاعٍ، وَوَرد فيها صاعٌ، نَتْرك ذلك لمحلِّه إنْ شاء اللَّه.
(١) في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب (١/ ٤١٦) حيث قال: "الاعتبار بغالب قوت أهل البلد". (٢) يُنْظر: "التاج والإكليل" لأبي عبد اللَّه المواق (٣/ ٢٦٠) حيث قال: "فإن كان عيشُهُ وعيش عياله من هذه الأصناف من غير الصنف الذي هو غالب عيش البلد، أخرج من الذي هو غالب عيش البلد". (٣) يُنظر: "البيان والتحصيل" لمحمد بن رشد (٢/ ٤٩٩) حيث قال: "قالوا: وإن صح فيه ذكر الطعام، فيحتمل أن يكون أدوا صاعًا من قمح".