تَطلب من غيرك أن يسقيك الماء، إما لنفسك، أو لغيرك، هذا هو الأصل في الاستسقاء (١).
وأمَّا في الشرع (٢) فهو: طلب ذلك من اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ إذا أجدبت الأرض، فلا، شك أن الأرض إذا أجدبت؛ أي: أصابها قحط، واحتبس المطر وتوقف (٣)، فإن هذه آية من آيات اللَّه، يُحس الخلق فيها بضعفهم وحاجتهم إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
واللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إنَّما خلق العباد لغاية، وهذه الغاية قد أشار إليها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)} [الذاريات: ٥٦، ٥٧].
واللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد رسم طريق الهداية، وبينه غاية البيان؛ فقال سبحانه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: ١٥٣]، وبيَّن -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- طريق الغواية والضلال، وحذر من سلوكه أو
(١) الاستسقاء لغة: طلب السُّقيا؛ أي: طلب إنزال الغيث على البلاد والعباد. والاسم: السُّقيا بالضم، واستسقيت فلانًا: إذا طلبت منه أن يسقيك. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١٤/ ٣٩٣). وقال الجرجاني: "الاستسقاء: هو طلب المطر عند طول انقطاعه"؛ أي: من اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-. انظر: "التعريفات" (ص: ١٧). (٢) الاستسقاء في اصطلاح الفقهاء:. مذهب الحنفية، يُنظر: "حاشية ابن عابدين - (رد المحتار) " (٢/ ١٨٤) حيث قال: "طلب إنزال المطر بكيفية مخصوصة عند شدة الحاجة". مذهب المالكية، يُنظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (١/ ٥٣٧) حيث قال: "طلب السقي من اللَّه لقحط نزل بهم أو غيره بالصلاة المعهودة". مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٦٠٣) حيث قال: "طلب سقيا العباد من اللَّه تعالى عند حاجتهم إليها". مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ٦٦) حيث قال: "الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة". (٣) الجدبة: التي تُمطر ولم يُصبها غيث. والخصبة: التي قد غيثت فأمرعت، يقال: جدبت الأرض وأجدبت، إذا أملحت، وخصبت وأخصبت: إذا أمرعت. انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: ٨٦).