ويَتَجلَّى ذلك فِيهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا جاءه شابٌّ، فَقَال: يا رسول اللَّه، ائذن لي في الزنا! حتى هَمَّ به الصحابة، فماذا فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال:"مَهْ"، فَقَال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقروه ادن"، فدنا حتى جلس بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتحبُّه لأُمِّك؟ "، قال: لا. قال:"وَكَذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبُّه لابنتك؟ "، قال: لا. قال:"وَكذلك الناس لا يُحبُّونه لبَنَاتهم، أتحبُّهُ لأُخْتك؟ "، قَالَ: لَا. قال:"وَكَذلك النَّاس لا يحبُّونه لأخواتهم، أتحبه لعمَّتك؟ ". قال: لا. قال:"وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم؟ أتحبه لخالتك؟ ". قال: لا. قال:"وَكذَلك الناس لا يحبونه لخالاتهم"، فَوَضع رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَه على صدره، وقال:"اللَّهمَّ كفِّر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحَصِّن فرجه"(١).
وفي روايةٍ:"فَاكرَه لهم ما تكره لنفسك، وأحبَّ لهم ما تحب لنفسك"، فقال: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يطهر قلبي، فوضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده على صدره فقال:"اللهمَّ اغفر ذنبَه، وطَهِّر قلبَه، وحَصِّن فرجه"، قال: فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيءٍ (٢).
ولَوْ أنَّ الإنسان كلما هَمَّ أن يُقْدم على معصيةٍ، وضع نفسه موضع ذلك، لربما رجع وعاد، فقد عالج رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل بهذا الرفق وهذه الحكمة، فَكَره هذا الأمر، ونفذ وَعْظه الشَّريف -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى قَلْب الشَّابِّ، وأثَّر
(١) أخرجه أحمد (٢٢٢١١) وغيره، وصححه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٣٧٠). (٢) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (١٠٦٦).