فلما ذكر:(الخوف، والسفر، والمطر) تبين أنه إمَّا لأجل المرض أو غيره، ولا يكون عذر أقوى من المرض؛ فيجوز الجمع لأجله (١).
وأجاب الشافعية: بأنه قد مرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا، ومع كثرة أمراضه لم ينقل أنه -عليه الصلاة والسلام- جمع لأجل المرض، فدلَّ ذلك على أنَّه لا يُجمع لأجله (٢).
فعارضهم الأَوَّلُون: بأن العلة في المطر متحققة في المرض وأكثر (٣).
فأجاب الشافعية: بأن المريض إذا شَقَّ عليه الأمر انتقل إلى حالة أُخرى، وهي القعود؛ للحديث:"صَلِّ قائمًا، فإن لم تَستطع فقاعدًا، فإن لم تَستطع فعلى جَنْبٍ"(٤)؛ فليس له الجمع.
وقوَّى الأولون ما ذهبوا إليه (٥): بأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- رَخَّص لحَمَنة بنت جَحْش في الجمع؛ فقال:"وإن قَويت على أن تُؤخري الظهر وتُعجلي العصر؛ فتغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتُعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي. . . "(٦).
قوله:"بطن": يعني: يَسيل بطنه، وهو ما يُعرف الآن بالإسهال
(١) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٣٨٤)، حيث قال: "ووجه الدلالة منه: أن هذا الجمع إمَّا أن يكون بالمرض، وإما بغيره مما في معناه أو دونه؛ ولأن حاجة المريض والخائف آكد من الممطور". (٢) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٣٨٤)، حيث قال: "واستدل الأصحاب للمشهور في المذهب بأشياء. . . (ومنها) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرض أمراضًا كثيرة، ولم ينقل جمعه بالمرض صريحًا". (٣) يُنْظَر: "شرح منتهى الإرادات" (١/ ٢٩٨)، حيث قال: "لا عذر بعد ذلك إلا المرض". (٤) أخرجه البخاري (١١١٧). (٥) يُنْظَر: "شرح منتهى الإرادات" (١/ ٢٩٨)، حيث قال: "لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لحمنة حين استفتته في الاستحاضة، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين. . . ". (٦) أخرجه أبو داود (٢٨٧)، وحَسَّن إسنادَه الألباني في "الإرواء" (١/ ٢٠٢).