الثانية: اختلف أهل العلم في مسألة التوجه إلى بيت المقدس؛ فقيل: إنه كان باجتهاد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١)، ومنهم من قال: إنه خُيِّر بين أن يتوجه إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة (٢)، وقيل: إن ذلك كان بأمر من الله -سبحانه وتعالى-، وأشهر تلك الأقوال وأقواها أن ذلك بأمر من الله -سبحانه وتعالى-، ودليل ذلك:
فقوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} دليل على أن التوجه إلى القبلة الأولى كان بأمر من الله -سبحانه وتعالى-.
- حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو
= البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو بيت المقدس، ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يوجه إلى الكلعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤]، فتوجه نحو الكعبة"، وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ١٤٢] فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد: أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرف القوم، حتى توجهوا نحو الكعبة. (١) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (١/ ٤٢٥) حيث قال: "وكان - عليه الصلاة والسلام - أول أمره يستقبل بيت المقدس. قيل: بأمر، وقيل: برأيه، وكان يجعل الكعبة بينه وبينه فيقف بين اليمانيين". (٢) يُنظر: "بحر المذهب" للروياني (١/ ٤٤٥) حيث قال: "واختلف أصحابنا، هل استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس برأيه أو عن أمر الله تعالى على قولين: أحدهما: برأيه؛ لأن الله تعالى خيَّره في قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، أي: قبلة ألله، فاختار بيت المقدس وبه قال الحسن وعكرمة وأبو العالية والربيع بن أنسٍ. والثاني: استقبله بأمر الله تعالى لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة: ١٤٣]. وبه قال ابن عباس وابن جريج". ويُنظر: "تفسير الطبري" (٣/ ١٣٨).