مالك ابن زهير أخو قيس متزوجا في فزارة وهو مقيم بينهم، فرآه حذيفة بعد ذلك فقتله، وشاع مقتل مالك فحزنت عليه عبس وبعثوا إلى قيس أن يأتيهم بمن معه فجاءهم قيس فلتيه الربيع بن زياد فتعانقا وبكيا لمصابهم بمالك، فقال قيس للربيع:«إنه لم يهرب منك من لجأ إليك ولم يستغن عنك من استعان بك، وقد كان لك شر يومي فليكن لي خير يوميك، وإنما أنا بقومي، وقومي بك وقد أصاب القوم مالكا ولست أهم بسوء؛ لأني إن حاربت بني بدر نصرتهم بنو ذبيان وإن حاربتني خذلني بنو عبس، إلا أن تجمعهم علي وأنا والقوم في الدماء سواء، قتلت ابنهم وقتلوا أخي فإن نصرتني طمعت فيهم وإن خذلتني طمعوا في».
فقال الربيع:«يا قيس إنه لا ينفعني أن أرى لك من الفضل ما لا أراه لي، ولا ينفعك أن ترى لي ما لا أراه لك، وقد مال علي قتل مالك، وأنت ظالم ومظلوم، ظلموك في جوادك وظلمتهم في دمائهم وقتلوا أخاك بابنهم، فإن يبو الدم بالدم فعسى أن تلقح الحرب أقم معك وأحب الأمرين إلي مساعدتهم وتخلو بطلب ثأر أبيك»، وعلم حذيفة باتفاقهما فشق ذلك عليه واستعد للقتال، ثم حدثت الوقائع المعروفة بحروب داحس والغبراء وعظم الشر والبلاء، وانضمت ذبيان إلى فزارة فكانت وقعة جفر الهباءة وبها قتل حذيفة وحمل ابنا بدر، وعدد كبير من فزارة وعبس، وبموت حذيفة وأخيه انحسم الشر ودخل بعض أمراء القبائل في الإصلاح بينهم، فأذن قيس لقومه بالصلح، وتنسك وسار عنهم لا يريد إمارة ولا سيادة فنزل ببني النمر ابن قاسط، ثم دعاهم يوما فخطبهم فقال:
«يا معاشر النمر أنا قيس بن زهير: غريب حريب طريد شريد موتور فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى، وأذلها الفقر»، فزوجوه بامرأة منهم، فقال لهم:«إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي: أنا فخور غيور أنف، ولست أفخر حتى أبتلى ولا أغار حتى أرى ولا أنف حتى أظلم»، فرضوا أخلاقه، فأقام فيهم حتى