بعض العصاة وكفت يد المعتمد عن كل قول وعمل، حتى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاث مئة دينار فلم ينلها، فقال في ذلك:
أليس من العجائب أن مثلي … يرى ما قل ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا … وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرا … ويمنع بعض ما يجبي إليه
وكان الخلفاء من قبله يقيمون في سامراء فانتقل المعتمد منها إلى بغداد، ولم يعد إليها أحد من بعده، وكانت في أيامه شؤون وشجون تجد الكلام عليها في تصانيف الأخبار.
ومات المعتمد سنة ٢٧٩ هـ ومدة خلافته ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر، ومات أخوه الموفق في السنة التي قبلها، وكانت ولاية العهد للمعتضد الآتي خبره.
المعتضد بالله
ولد سنة ٢٤٢ هـ وتوفي سنة ٢٨٩ هـ
مضى الكلام فيما أسلفنا على عدد كثير من خلفاء بني العباس لم يكونوا من نباهة الذكر وجلالة القدر وارتفاع الشأن بحيث يقرنون مع أسلافهم الأولين كالمنصور والرشيد والمأمون، وجاء في عرض كلامنا إشارات واضحة إلى أن أولئك الخلفاء كانوا موثقين عن العمل غير مطلقين، ومسيرين غير مخيرين، لعبت بهم طوائف الغلمان والمماليك حتى استولت على عقولهم ثم على أموالهم وانتهت إلى التحكم بهم واجتياز تدبير المملكة دونهم فإذا المال في خزائنهم، والرجال طوع أيديهم، والبلاد منقادة لهم فاستراح ضعفاء الخلفاء، بحيث يتعب العظماء، واستمر الأمر جاريا في منهاجه حتى قضى على هذه