مضى الخليفة الراشد الأول لسبيله بعد أن اختار للمسلمين إماما كان له من الذكر ما لم يكن لأحد من قبله ومن بعده أعني ثاني الخلفاء الراشدين أبا حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، ذلك الرجل الكبير، وما أحسبني إلا على شيء من الجرأة وقد هممت بالإشارة إلى بعض نبأه في صفحات يسيرة من هذا الكتاب الذي يضيق عن الإطالة والإكثار من الأخبار، ولكن قول: ما لا يستطاع كله لا يترك قله، حدا بي أن أقول:
كان عمر ﵁ من شرفاء العرب ووجوههم في الجاهلية والإسلام.
أما في الجاهلية فكانت له السفارة في قريش، وذلك أنهم إذا وقعت بينهم وبين غيرهم حرب بعثوه سفيرا، وإن نافرهم حتي لمفاخرة جعلوه منافرا وراضوا به. وأما في الإسلام فحسبك أن رسول الله ﷺ كان يدعو ربه أن يعز به دينه، وكان يرزق من التجارة بين الشام والحجاز حتى ولي الخلافة.
أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ونصر الإسلام نصرا بينا، وكان شجاعا مهيبا طويل القامة، إذا مشى فكأنه راكب والناس يمشون.
وبويع بالخلافة سنة ١١ هـ يوم وفاة أبي بكر، فحذا حذوه وسلك سبيله، فسير البعوث وجيش الجيوش؛ فأتم فتح الشام والعراق وفتح القدس والمدائن ومصر والجزيرة، ودون الدواوين على الطريقة الفارسية لإحصاء أرباب الأعطيات وتوزيع المرتبات المالية عليهم، ووضع للمسلمين التاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون بالوقائع الشهيرة كعام الفيل وعام الفجار، وكانوا يتعاملون بالدراهم والدنانير الفارسية والرومية فضرب عمر الدراهم على نقش الكسروية وزاد في