أشهر ملوك الحيرة على الإطلاق، أبو قابوس النعمان بن المنذر اللخمي: داهية أبي شجاع كثير الأخبار، ملك الحيرة إرثا عن أبيه، وكان قد ضعف شأن دولتهم بعد قتل ابن كلثوم لابن هند، فلما ولي النعمان أعادها سيرتها الأولى وأبلغها من الترف منتهاه ومن العزة أقصاها، وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى، والقصة مشهورة، نذكر خلاصتها وذلك أنه قدم النعمان على كسرى هرمز؛ فإذا عنده وفود من الروم والهند والصين فذكروا ملوكهم وبلادهم وشاركهم النعمان في الحديث فافتخر بالعرب وفضلهم على جميع الأمم لا يستثني فارس ولا غيرها، فتألم كسرى فذم العرب وأجابه النعمان بما كذب ظنه في حديث طويل، ثم عاد النعمان إلى الحيرة فبعث إلى عشرة رجال هم من خيار العرب في ذلك العهد فحضروا وهم: أكثم بن صيفي «من بني تميم»، وحاجب بن زرارة «تميمي»، والحارث بن ظالم «بكري»، وقيس بن مسعود «بكري»، وخالد بن جعفر «عامري»، وعلقمة بن علاثة «عامري»، وعامر بن الطفيل «عامري»، وعمرو بن الشريد «سلمي»، وعمرو بن معد يكرب «زبيدي»، والحارث بن ظالم «من بني مرة»، فلما وفدوا عليه جمعهم في الخورنق وقال لهم:«لقد عرفتم هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منها، وقد سمعت من كسرى مقالات تخوفت أن يكون لها غور، أو يكون إنما أظهرها لأمر أراد أن يتخذ به العرب خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج إليه كما يفعل بملوك الأمم الذين حوله»، ثم حدثهم بما كان بينه وبين كسرى، ودعاهم إلى الوفود على كسرى وأن يخطبوا بين يديه ليعلم أن في العرب رجالا ذي عقول كبيرة وألسنة فصيحة، فأجابوه إلى ما انتدبهم إليه، فرتبهم في الكلام بين يدي كسرى وقدم عليهم أكثم بن صيفي، خلع عليهم الخلع وكتب معهم كتابا إلى كسرى يذكرهم