مثبتا في شؤونه وفيا لمواليه أنفسهم وأعقابهم لا يكدح عنده كادح في شيء عن أحدهم فيَسْمعه أو يُسْمعه، أحبه أهل البلدان المستقلة في عصره حتى كان بنو مدرار بسجلماسة ومحمد بن أفلح صاحب تاهرت لا يقدمون ولا يؤخرون في أمورهم ومعضلاتهم إلا عن رأيه وأمره، وما يحفظ عنه أنه قال لهاشم بن عبد العزيز أحد وزرائه وقد أنكر عليه شيئا من عدم التثبت: يا هاشم من آثر السرعة أفضت به إلى الهفوة، ولو أنا أصغينا نحو زلاتك وأصحنا إلى هفواتك لكنا شركاءك في الزلة وقسماءك في العجلة، فمهلا عليك رويدا بك فإنك إن تعجل يعجل بك» … ودفن بقرطبة، وكان ذكيا فطنا.
* * *
ولي بعد موته بثلاثة أيام ابنه أبو الحكم المنذر بن محمد بن عبد الرحمن، مولد سنة ٢٢٩ هـ، اتصل به خبر موت أبيه وهو يحارب الفرنج محاصرا لفريق منهم في حصن يعرف بحصن الحمامة فقفل راجعا إلى قرطبة فجددت له البيعة، وفرق العطاء في الجند وتحبب إلى أهل قرطبة والرعايا بأن أسقط عنهم عشر. ذلك العام وما يلزمهم من جميع الغرم، وكان أسمر، طويلا، جعد الشعر، كث اللحية، بوجهه أثر جدري يخضب بالحناء والكتم، وكان جوادا يصل الشعراء ويحب الشعر، ولم تطل مدته فتوفي وهو في غزوة له على بريشتر سنة ٢٧٥ هـ فكان ملكه سنتين إلا عشرين يوما.
عبد الله بن محمد
ولد سنة ٢٢٩ هـ وتوفي سنة ٣٠٠ هـ
خالف عبد الله أباه وأخاه في سيرتهما إذ ظهر بالملك في مظهر جديد وأعاد للدولة ما كادا يذهبان به من رونقها ونضرتها، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام، بويع يوم وفاة أخيه المنذر، وأراد النهوض