لم يكن أبو إسحق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي من حملة العلم أو ناشري لواء العرفان، ولكنه اشتهر في ملوك بني العباس بما أحرزه من قوة البأس والشجاعة والإقدام فقد كان خارقة زمنه في قوة الساعد ومتانة الأضلاع، يكسر زند الرجل بين إصبعيه، ويحمل عشرة قناطير، ولا تعمل في جسمه الأسنان، وكان في صغره يكره التعلم وضعه والده الرشيد مع مملوك له صغير عند أحد المؤدبين فمات مملوكه فلما رأى أباه تأوه فجعل أبوه يسليه عن المملوك وهو يحسب أنه حزين عليه فقال: لا يا أبي أنا لا أتأوه لموته، ولكني سررت له لأنه استراح من التعليم! فعلم أبوه أنه لن يكون من رجال العلم فأعفاه منه فنشأ ضعيف القراءة يكاد يكون أميا.
وهو فاتح عمورية من بلاد الروم في غلاطية، وذلك أنه كان في أحد أيام سنة ٢٢٣ هـ جالسا يتناول كأسا من الشراب، وإذا برجل دخل عليه فحدثه أن امرأة هاشمية سباها أحد ملوك الروم ووضعها في عمورية فلطمها يوما فصاحت: وامعتصماه! فهزئ بها الرومي وقال: دعيه يأتي على فرس أبلق، فنهض المعتصم فختم الكأس وقال: والله لأشربته إلا بعد إطلاقها والتفريج عنها، ونادى رجاله أن يركبوا الخيول البلق فسار في سبعين ألف فارس حتى بلغ عمورية فحاصرها ثم هدمها ودخل على الأسيرة وهو يقول: لبيك لبيك، ثم ضرب عنق الرومي بيده ودعا بالكأس ففك ختامها وشربها.
وهو باني مدينة سامراء حين ضاقت بغداد بجنده فخططها وأمرهم بسكناها فدعيت «سر من رأى» ثم حرفت فقالوا: «سامراء، وسامرا، وسر من را، وسرمن راء» - راجع معجم البلدان.