على ما تملكه المسلمون من البلاد ولا سيما في عهد الناصر، فعلم المستنصر بعزم أردون فكتب كتائبه وغزا الأسبانيين بنفسه، فبادروا إلى عقد السلم معه وانقبضوا عما كانوا فيه وقوي الحكم وكثرت فتوحاته واتصلت الصداقة بينه وبين «أردون»، حتى إنه زار الخليفة المستنصر في قرطبة وأظهر خضوعه بين يديه.
وكان الحكم محبا للعلوم مكرما لأهلها، أحضرهم من البلدان البعيدة ليستفيد منهم ويحسن إليهم، جماعا للكتب في أنواعها، جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله حتى قيل: إنها كانت أربع مئة ألف مجلد، وكان عالما نبيها صافي السريرة عارفا بالأدب، يروى عنه شعر، ضليعا بالعلم بالأنساب ملما بالتاريخ.
ولي سنة ٣٥٠ هـ، ومدة حكمه خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وكان أصهب أعين أقنى عظيم الصوت ضخم الجسم أفقم قصير الساقين غليظ العنق عظيم السواعد، وسيرته حسنة، وليس فيما رأيت من أخباره ما يبعث على الإطالة، توفي في قرطبة.
المؤيد بن الحكم
ولد سنة ٣٥٥ هـ وتوفي سنة ٤٠٣ هـ
ما في ترجمة هذا الخليفة ما يجعله في عداد كبراء الأمراء إلا أن أخباره كانت عجيبة في شأنها طويلة في إيرادها لا يستغنى المؤرخ عن إشارة إليها فوجب أفراد ترجمة له ينتهي بها الكلام على رجال هذه الدولة.
المؤيد أبو الوليد هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، بويع يوم وفاة أبيه بعهد منه سنة ٣٦٦ هـ وعمره ١١ سنة وثمانية أشهر، فتولى أموره وتدبير مملكته الحاجب أبو عامر محمد بن عامر الملقب بالمنصور (انظر ترجمته في باب الأمراء والوزراء)، فحجبه عن الناس فلم يكن أحد يراه ولا يصل إليه فأحسن