للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ملوك الجاهلية وأمراؤها]

[(كلمة)]

جاهلية العرب لم تزل أمرا غامضا مستور الحقيقة في مدتها وأسماء ملوكها وأخبار قبائلها وأعمار رجالها، ولا سيما ما سلف منها، وإنما اندفع مؤرخونا المتقدمون بسائق حب الاطلاع فبحثوا ونقبوا فيما وصلت إليه يدهم من أساطير الأولين والآخرين، ولكن كان جل ما أتوا به من الأرقام التاريخية تكهنا وتقديرا ورميا في الغيب، ولقد قدر علينا أن نصنع صنيعهم فلم تكن نتيجة بحثنا غير العلم بأنهم يحققون ما لا يتحققون، ويدعون علم ما لا يعون، وأعظم ما استندوا إليه في أبحاثهم وعولوا عليه في أرقامهم أمران:

الأول: علم الأنساب في الجاهلية، يسلسلون الرجال حتى يبلغوا بهم أبا البشر آدم على ما يعترضهم من العقبات وما يضطرون إلى سلوكه من وعر المسالك، وفي هذا ما فيه من التصدي بما لا يدرك وحسبنا سندا في الوقوف عن الأخذ بأقوالهم ما صرح به النبي القرشي ومن حوله النسابون والإخباريون والشعراء ودهاة الحجاز واليمن من كراهية الإغراق في نسبة نفسه إلى ما يتجاوز عدنان، وقوله عند بلوغه وإرادة اجتيازه: كذب النسابون! فيمثل هذا تسقط عندنا دعوى الوثوق بعلم الأنساب في الجاهلية الأولى، أي ما وراء عدنان، وفي ذلك اختلافنا.

وأما الأمر الثاني: الذي عول عليه مؤرخونا بعد الأنساب فهو التوراة في أنبائها عن بدء الخليقة وأزمان آدم ونوح وغيرهما (١)، وقد أظهرت الاكتشافات


(١) انظر: سفر التكوين.

<<  <   >  >>