الجيولوجية وتنقيب علماء العاديات والآثار ما خالف كثيرا من أخبار التوراة وأرقامها وأبحاثها.
والتوراة إنما هو كتاب دين يوضح قدرة الله في خلقه الأكوان ويشرح شريعة موسى التي سنها الله، لا كتاب تاريخ وعلم يبحث عن الحقائق الطبيعية (١) والعلمية؛ فإنه كثيرا ما تدخله الشبهة في مباحثه في الطبيعة والتاريخ (٢). ولا يهولنك دفاع علماء اللاهوت عما جاء به والتماسهم له الوجوه البعيدة؛ فالكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم: إذا تعرضت للبحث الغامض في التاريخ أو العلم الطبيعي توجز فيه ولا تزيده بيانا عما يعلمه أهل ذلك العصر المرسل إليهم ذلك الكتاب.
فإذا سقطت هاتان الدعوتان: دعوى الأنساب، ودعوى الوثوق بالتوراة، تلاشى ما يقال عن الحكم على الزمن الذي حكم فيه الحموربيون مملكة بابل والعراق، والذي كانت فيه قبائل طسم وجديس وعاد وثمود ذوات الذكر والشأن، وداخلنا الشك في عصر القحطانيين حكام البلاد اليمانية والجرهميين وأضرابهم.
واخترنا ترك إرادة التحقيق في ذلك حتى تنبت أيدي الباحثين في أطراف العراق واليمن والحجاز بعناية قوية وغيرة على العلم كبيرة؛ فإذا بدت لهم الآثار وانكشفت الأستار زالت الأوهام وقام البت والقطع في الحكم مقام الوهم والتكهن والتقدير.
ولما كان هذا المصنف مرتبا على السنين في أكثر أبوابه وفصوله اضطررت إلى أن أتابع فيه الأقرب إلى الحق واليقين، مما ذهبت إليه جماعة المؤرخين، بينما يظهر ما يثبته أو يعدله من عاديات الآثار، وربك يفعل ما يشاء ويختار.
(١) انظر: تفسير الكتاب المقدس المطبوع في مطبعة الأمريكان، ص ٣٣١، و ٣٣٤. (٢) المرجع السابق.