والثاني للنعيم؛ فكان يضع سريره بينهما، فأول من يظهر له في يوم بؤسه يذبحه ويطلي الغرين بدمه، وأول من يراه في يوم النعيم يمنحه مئة من الإبل ويغدق عليه إحسانه، وظهر له في أحد أيام بؤسه عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر وافدا عليه رجاء خيره ولم يكن داريا بذلك اليوم فتردد فيه المنذر ثم قتله (انظر ترجمة عبيد في ديوان الشعراء).
وما زال على تلك الحال حتى أتاه في يوم بؤس حنظلة بن أبي عفراء الطائي، فعرضه على القتل وكانت له عند الملك المنذر يد فسأله أن يمهله سنة يرجع بها إلى أهله فينظر في أمرهم ويعود في مثل هذا اليوم فأجابه وكفله شريك بن عمرو الشيباني فلما كان اليوم الموعود أقبل حنظلة وقد تكفن وتحنط وجاء بنادبته فعجب المنذر من وفائه وسأله عما جاء به بعد أن أفلت من القتل، فقال: إن لي دينا يمنعني من الغدر. قال: وما دينك؟ قال: النصرانية. ووصفها له فرآها المنذر أحب إليه مما كان عليه فتنصر ودعا أهل الحيرة إلى النصرانية، وبنى بها الكنائس وعفا عن الطائي وأبطل تلك العادة.
وعاش إلى أن حدثت بينه وبين الحارث بن أبي شمر الغساني شؤون وتلاقيا بجيشهما في موضع يعرف بعين أباغ، وهو واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام، فقتل المنذر وانهزم جمعه وهذه الواقعة مذكورة في أيام العرب مشهورة باسم الموضع الذي كانت فيه.
الحارث الغساني
ولد نحو سنة ١٣٤ ومات نحو سنة ٦٢ ق. هـ
الغسانيون هم عرب الشام قبل الإسلام ترجع أنسابهم إلى أصول يمانية تفرق أهلها من اليمن عند انفجار سد مأرب، والمؤرخون مختلفون في أخبارهم على ما سنورده وإنما يتلخص لنا أن الغسانيين كانت لهم الولاية على جميع أطراف