الشام من الجنوب والشرق والشمال الشرقي تمتد جنوبا إلى الحجاز وشرقا إلى حدود ملوك العراق من اللخميين، ولم يصح ملكهم لدمشق، وإنما كانت لهم الزعامة والإمارة على عرب الشام كافة، وكانت عاصمتهم بصرى (اسكي شام) في حوران، أما دمشق فكان أكثر سكانها من الروم يحكمها أمراء من قبل القياصرة أصحاب القسطنطينية كانوا يقربون أمراء غسان منهم ويكرمونهم ليكونوا للشام مجنا يدفعون به غارة مهاجميها من عرب الحجاز والعراق، وسموا غسانين لنزولهم على ماء يدعى غسان بالقرب من الشام وهم قادمون من اليمن، وكانت الديانة الشائعة فيهم هي النصرانية وفيهم وثنيون كثيرون، وطالت مدتهم نحوا من خمس مئة سنة، أولهم جفنة بن عمرو بن ثعلبة بن عمرو ابن مزيقياء، وآخرهم جبلة بن الأيهم الذي أسلم وارتد.
والعجب من ديار الشام فإنها على كثرة ما تضم من الآثار الشواخص لا تزال موضع بحث الباحثين من المستشرقين وعلماء العاديات والآثار والتاريخ، والخلاف ما برح قائما فيما يتعلق بالغسانيين من وجوه أربعة:
أولها: هل ملك الغسانيون بلاد الشام كلها أم بعضها؟
ثانيها: هل حكموا دمشق؟
ثالثها: لماذا سموا غسانيين؟
رابعها: هل كانوا جميعهم نصارى؟
فأما امتلاكهم الديار الشامية فلا دليل عليه غير ما جاء في كتاب «أشهر مشاهير الإسلام» قال مؤلفه الفاضل (ج ٢ ص ٢٣٣): « … والذي يترجح عندنا أن الفرس لما دوخوا الولايات الرومانية سنة ٦١٤ م أقروا ملوك غسان على ما كان لهم وأقاموهم ملوكا على الشام ولما استعاد هرقل من الفرس البلاد لم يشأ أن ينزع من ملوك غسان الولاية لضعفه في حرب الفرس وخوفه من شغب القوم