وولي بعده ابنه أبو نصر محمد الملقب الظاهر بأمر الله وكانت أيامه في عصر المؤرخ ابن الأثير فذكره وأثنى عليه كثيرا حتى داخلني الشك في أنه ربما كان محسنا إليه فقابله على الإحسان إحسانا لأن المؤرخ مهما تمكن من الحرية وانطلاق القلم في الحق لابد له من أن تأخذه على معاصره وولي أمره عاطفة فيثني ويطرئ ويعدد المحامد ويستر المثالب دفعا للشر أو جلبا للخير، والذي يجدر بنا أن ننقله عن مؤرخنا مما يتعلق بهذا الخليفة أنه كان على عكس أبيه مستقيما محبا للخير أطلق المكوس التي كان قد وضعها والده وخفف الأموال عن بعض رعيته، وأخرج المسجونين، ومنع جاسوسية الحراس وكانوا يكتبون للخلفاء كل ما يدور بين الناس من الحديث فأعفاهم من هذا، ولم تطل مدته، ولد سنة ٥٧١ هـ، وحكم سنة ٦٢٢ هـ، ومات سنة ٦٢٣ هـ ومدة حكمه تسعة أشهر.
المستنصر بالله
ولد سنة ٥٨٨ هـ وتوفي سنة ٦٤٩ هـ
البنيان أفضل ما خلد به الذكر، ولا سيما إذا كان أثرا نافعا كمدينة أو مدرسة فخمة أو بناء عظيم يأوي إليه المحاويج أو مستشفى يطيب فيه أصحاب العاهات والأمراض أو ما ضارعه من الأبنية النافعة وحسبك من أدلتنا أن صاحب هذه الترجمة وهو أبو جعفر المنصور بن الظاهر بن الناصر الملقب بالمستنصر بالله عاش كغيره من الخلفاء أو كالمحسنين منهم لأنه كان عاقلا عادلا محبا للحق، ولكنهم إذا كرت الأجيال وأنكرت الأطلال الرجال ذهب ذكر أولئك الخلفاء وبقيت آثار مدرسة عظيمة أقيمت في بغداد، ودعيت المستنصرية فهي ترشد الأمم التالية إلى بانيها كما ترشد آثار سامراء إلى المعتصم وكما أرشدت أطلال نينوي إلى حمورابي، والمستنصرية هذه مدرسة كبيرة من أشهر مدارس