أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين أبو الحسن، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي: ولد بمكة وأسلم صغيرا وناصر ابن عمه كبيرا؛ فكان من أعظم أعوان رسول الله ﷺ على نشر الدعوة الإسلامية والذود عن حياض شريعة القرآن، وكان ممتازا بثلاث خلال: الشجاعة في الحروب: وهو ابن بجدتها وصاحب الصوت والصيت في المعارك والملاحم، والفقه في الدين، وكان أعلم أصحاب النبي ﷺ بالأحكام وبه يضرب المثل في حسن القضاء، والفصاحة في المنطق، وله الخطب الرنانة والأقوال المتناقلة والكلم السوائر. تولى الخلافة بعد مقتل عثمان (عام ٣٥ هـ) فحدثت في أيامه من وقائع عظيمة أشدها ما كان بينه وبين معاوية مزاحمه الأكبر على الخلافة والداهية الأموي المشهور.
يكاد الباحث المؤرخ يوجل من إبداء رأيه في صاحب هذه الترجمة عليه الرضى والسلام لما يراه من اختلاف الناس فيه وإدخال بعض العامة ورهط من الخاصة الحكم عليه في أمور الدين، علي أن العاقل المنصف إذا وجد مجالا للقول لم يسعه إلا أن يجهر بحقيقة ما يجب أن يذكر به هذا الخليفة الراشد مما يكون له أو عليه، لنترك أقوال الغالين في حبه والذين يبلغون به مقام الربوبية أو ما دونها، ولندع التعرض للمفاضلة بينه وبين من تقدمه من الخلفاء؛ فالأولون جهلة أغبياء لا يقاومون بغير التهذيب والتعليم فلا تلبث أن تنقشع عن قلوبهم تلك العماية الرائنة والغواية الكامنة، وأما الخلفاء من الأصحاب فكأصابع الكف للدين، لكل منهم مقام ومنزلة لا ينوب بها عنه الآخر، ولا سيما والشحناء في مثل هذا لا تجدي من أورى بها الزند نفعا.