أما ما شغل جماعات المؤرخين من أنه كان الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان، مما يؤدي بفريق من الناس إلى الحط من كرامتهم بنسبتهم إلى الظلم، ثم بأن يقال فيهم ما يقال في الظالم المغتصب، فهذا أيضا أمر مفروغ منه، والذي نعتقده أن أبا بكر كان أرضى الله والناس من سواه لاطلاعه على روح الدين في نشأته الأولى والثانية، حين كان أمير المؤمنين علي يعد في الفتيان، يقوده إلى الدين حبه لرسول الله ﷺ وشغفه بأخلاقه واستحسانه لما جاء به، وأبو بكر من شيوخ المسلمين وأهل الحنكة والدربة والعلم والرأي فيهم، فهو أولى بها، واجتهد أبو بكر في المسلمين فعهد إلى عمر فلم يكن دونه ضبطا للأمور وقياما بمصلحة الأمة، وانتهى الأمر إلى عثمان فكان في عصره ما كان، وجاءت النوبة إلى علي والناس له مريدون عليه مجمعون، فكان (﵁) شديدا في الدين إذا رأى الرأي لم يردده عنه راد يصدع فيما يأمره به قلبه النقي وما يوحي إليه ضميره الطاهر غير وان ولا محاب وأنت ترى أن سياسة الملك ربما قضت على القائم بها أن يغض بصره على بعض القذى وأن يتوقع الفرصة ويتربص للسوانح؛ فهذا ما يأخذه على علي من آخذه، ومن دافع عنه عد تلك الخلال سياسة خداع ودهان، ورأى عليا عليه الرضوان أجدر بأن لا يتصف بها وأحرى بأن يتعرى منها، وذلك ما يظهر لنا في أمره يتجلى لك فيما سنذكره من الكلام على أخباره:
قتل عثمان وولي علي بمبايعة الناس له، فلم يكن ليطيب له الصبر وهو يرى البلاد قد طوقت ببني أمية وفيهم الصالح والطالح، فسير الولاة إلى الجهات وعزل بعض من ولاهم سلفه، وكانت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان عداوات و حزازات أشار إليها العلامة ابن أبي الحديد في شرح النهج حكاية عن معاصره أبي جعفر نقيب البصرة، قال (ج ٢، ص ٥٧٩): «وكيف يتوهم من يعرف السير أن معاوية كان يبايع لعلي لو أقره على الشام وبينه وبينه ما لا تبرك الإبل عليه