قال صاعد الأندلسي في طبقات الأمم:«أول من عني بالعلوم من ملوك العرب الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، فكان مع براعته في الفقه، وتقدمه في علم الفلسفة، وخاصة في علم صناعة النجوم كلفا بها وبأهلها»، وكان مولده بالشراة (كما في المعارف)، وولي الخلافة بعد أخيه السفاح، بويع يوم وفاته وهو بطريق مكة آتيا من الحج (سنة ١٣٦ هـ)، فقدم عليه أبو مسلم الخراساني وكان السفاح قد ولاه على خراسان، فلما ولي المنصور كان حاقدا على أبي مسلم خائفا من شره لما رآه من ميل الناس إليه والتفافهم حوله، فاستدعاه، فامتنع أبو مسلم ثم أطاع، وجاء المدائن مخدوعا يحسب أن المنصور سيحبوه ويكرمه، فلما تمكن منه أبو جعفر قتله شر قتلة (انظر ترجمة أبي مسلم)، وذلك عام ١٣٧ هـ، وهو لعمر الله بئس الجزاء جزى به آل عباس، مشيد دولتهم، ورافع لوائهم ومؤسس ملكهم، ولكن رحم الله المتنبئ إذ يقول:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد … ذا عفة فلعلة لا يظلم!
وكان أبو جعفر يتهم بالبخل لحرصه ولأنه لم يكن يضع الأموال في غير موضعها، ولا يبذلها إلا في منفعته، فجمع مالا وفيرا، وكانت في أيامه أمور كثيرة لا علاقة لها بموضوع كتابنا هذا؛ لأنه لا يكتب فيه إلا ما يتعلق بترجمة صاحب الترجمة وأما ما كان في زمنه من الأحداث والخطوب فمرجعها كتب الأخبار وتواريخ الأعصار.
وهو باني بغداد، بدأ ببنائها سنة ١٤٥ هـ لجعلها مقر الملكه بدلا من «الهاشمية» التي لم تكن من الحصانة على ما يروم، وفي عصره شرع العرب يطلبون علوم