للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليونان والفرس ويترجمونها إلى العربية، وفي زمنه عمل أول اسطرلاب في الإسلام صنعه محمد بن إبراهيم الفزاري، وكان أبو جعفر بعيدا عن اللهو والعبث كثير الجد والتفكير في الأمور، وله تواقيع هي غاية في البلاغة منها:

- أن رجلا رفع إليه شكاية على بعض عماله فوقع فيها العامل: «اكفني أمره وإلا كفيته أمرك»، ووقع إلى عامل آخر: «قد كثر شاكوك، وقل شاكروك فإما اعتدلت، وإما اعتزلت».

- وكتب إليه سوار بن عبد الله القاضي: «إن عندنا رجلا شديد الترفض يدعى السيد الحميري» فوقع في كتابه: «إنا بعثناك قاضيا لا ساعيا!».

- ووقع في كتاب بليغ استماحه: «إن البلاغة والغنى إذا اجتمعا في رجل أطغياه، وقد رزقت إحداهما، فاكتف بها واقتصر عليها»، ورفع إليه في بناء مسجد فوقع: «إن من أشراط الساعة أن تكثر المساجد فزد في خطاك يزد في أجرك».

- وأوصى ابنه المهدي قبل وفاته فقال:

«لقد جمعت لك من الأموال ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند والنفقات والذرية ومصلحة البعوث، فإياك والأثرة والتبذير بأموال الرعية، واشحن الثغور، واضبط الأطراف، وأمن السبل العامة، وأدخل المرافق عليهم، وادفع المكاره عنهم، وأعد الأموال واخزنها فإن النوائب غير مأمونة، وهي من شيم الزمان، وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت، وإياك وتأخير عمل اليوم إلى الغد فتتدارك عليك الأمور وتضيع، وأعد رجالا في الليل لمعرفة ما يكون في النهار، ورجالا في النهار لمعرفة ما يكون في الليل، وباشر الأمور بنفسك، ولا تضجر ولا تكسل، واستعمل حسن الظن، وأسئ الظن بعمالك وكتابك، وخذ نفسك بالتيقظ».

وفي سنة ١٥٨ هـ أراد المنصور الحج فسار فلما كان في الكوفة مرض فمات ببئر ميمون من أرض مكة المكرمة.

قال القلقشندي: ودفن بالحجون، وكانت مدة خلافته اثنين وعشرين عاما.

<<  <   >  >>