مات أبو جعفر المنصور وتولى من بعده بعهده ابنه أبو عبد الله محمد المهدي فكانت خلافته عشر سنين لم يأت فيهن بعمل يدل على ما يجعلنا نلمزه في قرن مع عظماء الرجال، وكان مولده سنة ١٢٦ هـ وخلافته سنة ١٥٨ هـ وموته سنة ١٦٩ هـ بما سبذان.
* وبعد المهدي تولى ابنه الهادي موسى بن محمد المهدي، وكان ضعيفا فاستبدت الخيزران بالأمور فلم يشعر إلا والقواد والرؤساء يغدون ويروحون إلى بابها فنهاها عن الدخول في شؤونه وقال لها: ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك، إياك أن تفتحي بابك لمسلم، أو ذمي فإني ضارب عنقه وقابض ماله، فانصرفت وهي مغضبة وأمرت جواريها أن يقتلنه فجلس على وجهه وهو نائم فمات، وكان مولد سنة ١٤٤ هـ وخلافته سنة ١٦٩ هـ وموته سنة ١٧٠ هـ وليس بذي بال. أما الرجل الذي امتلأت بأحاديثه صحائف الأخبار وشحنت بآثار سفائن الآثار فهو صاحب هذه الترجمة:
أبو جعفر هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور: خامس الخلفاء العباسيين وأشهرهم على الإطلاق، خدم العلم وقرب العلماء من مجالسه رافعا من شأنهم وموسعا عليهم في العطاء، وكان عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه وله محاضرات مع علماء عصره، شجاعا مقداما كثير الغزوات، حازما كريما متواضعا لأولي العلم والفضل، وكان يحج سنة، ويغزو سنة حتى قال فيه بعضهم:
فمن يطلب لقاءك أو يرده … ففي الحرمين أو أقصى الثغور