بينما العرب في ليلة ليلاء، من جاهلية عمياء، يأكل قويهم ضعيفهم، ويفضل غويهم شريفهم، وأنصاب الفتنة منصوبة، سيوف مسلولة، وأرواح مبذولة، ولا رادع، ولا حكم ولا مسيطر، وهم إلى الفناء أقرب منهم إلى [ … ](١)، بعيدون عن فضائل العلم والمدنية، لا هم لهم إلا القتال والنزال، على كثرة ما فيهم من ذوي العقول الرجيحة، والألسنة الفصيحة، وما في أخلاقهم من الألفة، والنجدة، والإباء، والغيرة، وما في أجسامهم من القوة والمتانة والصلابة، وما في عشائرهم من التضامن والتراص، لولا إحن وأحقاد، تتوارثها الأحفاد، عن الآباء، عن الأجداد؛ رأت في قلوبهم مكانا خاليا فتحكمت، فشغلتهم عن مجاراة غيرهم من [ … ](٢) الفرس والروم في حلبة الحضارة والعمران، والعلم والعرفان [ … ](٣)، أراد الله بهم الخير؛ فأرسل لهم من أنفسهم هاديا حكيما مرشدا، ضم كلمتهم ووحد جمعهم، وأمات كامن أضغانهم، وأسس فيهم بنيانا لا يتهدم، وأودع في أدمغتهم نورا لا تطفئه العصور والدهور، ذلك هو: النبي الأعظم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وإلى هنا ينتهي نسبه الشريف وما وراء ذلك فالخلاف فيه كثير. ولد ﷺ بمكة، ومات أبوه بعد مولده بشهور، فكفله جده عبد المطلب، وماتت أمه آمنة بنت وهب وعمره ست