سنوات، ثم مات جده وله من العمر ثمانية أعوام، فأتم تربيته عمه أبو طالب، فنشأ معروفا بالشجاعة والهمة والأمانة والصدق والأخلاق الفاضلة والعقل وقوة الإدراك، ولقبه قومه بالأمين.
ولما بلغ الخامسة والعشرين زوجه عمه بخديجة بنت خويلد القرشية الأسدية، وكانت قد أرسلته بتجارة إلى الشام فأفلح وربح، وفي العام الأربعين من مولده بعثه الله إلى الناس مبشرا ونذيرا؛ فجعل يدعوهم ويرشدهم خفية مدة ثلاث سنين، ثم أعلن الدعوة وكان قد آمن به جماعة من أهله وذوي قرباه، فهزأت به قريش وآذته، فصبر، وأقام بمكة مدة مات في أثنائها عمه وأكبر عاصم له من أعدائه أبو طالب بن عبد المطلب، وأسلم في أواخرها عمه حمزة بن عبد المطلب نجدة لابن أخيه ونصرة له، وأسلم عمر بن الخطاب، وكثر عدد نصرائه وفيهم ابن عمه علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة، وصديقه أبو بكر، وصاحبه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله. فرأى النبي ﷺ أن يأذن لمن ليس له عشيرة تحميه من شر قريش بالهجرة إلى أرض الحبشة، فهاجر جماعة من أصحابه، ثم أسلم ستة من الأوس والخزرج من سكان المدينة، وذهبوا إليها فنشروا الإسلام في أبنائها، فجاءه منها اثنا عشر من الأنصار فآمنوا به فبعث معهم مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف ليعلمهم شرائع الإسلام والقرآن، فلم يمض غير قليل حتى لم تبق دار في المدينة من دور الأنصار إلا وبها مسلمون إلا دار بني أمية بن زيد. ثم ذهب إلى مكة جماعة منهم فعرضوا على النبي وأصحابه الهجرة إليهم والإقامة في يثرب وهي المدينة المنورة، وعاهدوه على أن يدافعوا عنه، فاستوثق منهم، وأمر أصحابه بالخروج من مكة ثم لحقهم، وبلغ قريشا خبر رحلته فقصدوه ليقتلوه فحماه الله منهم، ودخل المدينة مهاجرا بعد إقامته بمكة ثلاثة عشر عاما.