ومن سنة دخوله المدينة يبتدئ التاريخ الهجري. وكانت الدعوة الإسلامية لا تخرج عن حد الدليل والبرهان، ولكنه لما اطمأن في المدينة وعلم أن أعداءه غير تاركيه بل لابد لهم من قصده ومحاولة إيذائه، رأى أن السيف لا يدفعه إلا السيف؛ فأمر المسلمين بإعداد القوة ومحاربة خصومهم وبغاة الشر بهم. فحدثت مناوشات يسيرة ثم عظم أمرها.
فلما كانت السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان كانت غزوة بدر الكبرى. وفي هذه السنة كانت غزوة بني قينقاع، والكذر والسويق. وفي السنة الثالثة كانت غزوة أحد، وغزوة حمراء الأسد، وفي الرابعة غزوة الرجيع، وغزوة ذات الرقاع، وغزوة بدر الثانية. وفي السنة الخامسة كانت غزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وفي السادسة غزوة بني لحيان، وغزوة ذي قرد، وغزوة بني المصطلق، وفيها بعث رسول الله الرسل إلى كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من عظماء الملوك كالمقوقس بمصر، والحارث الغساني بالشام. وفي السنة السابعة من هجرته كانت غزوة خيبر. وفي الثامنة غزوة ذات السلاسل، وغزوة مؤتة، وفيها فتح المسلمون مكة المكرمة، وكانت غزوة هوازن بحنين. وفي التاسعة غزوة تبوك، وغزوة طيئ … وكل هذه الغزوات كانت حروبا بين المسلمين وعرب الحجاز، وأكثرها تم به النصر للمسلمين، حتى ارتفع شأنهم، وطأطأت لهم العرب رؤوسها؛ فدخلوا في الدين أفواجا، وأرسلت القبائل وفود الطاعة.
ولم يتوفه الله إلا بعد أن فتحت له بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب وما داني ذلك من الشام والعراق، وحبي له من أخماسها وصدقاتها وجزيتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه، وهاداه جماعة من ملوك الأقاليم فلم يستأثر بشيء مما ورد عليه ولا أمسك منه درهما بل صرفه على مصارفه وأغنى به غيره وقوى به المسلمين.
وكان ﷺ شجاعا مقداما، خطيبا، أوتي جوامع الكلم، متصفا بصفات