هل تعلمون أن أحدا من العرب من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي، قالوا: ما نعرفه، إلا أن يكون عمرو بن كلثوم التغلبي؛ فإن أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة وعمها كليب وائل وزوجها كلثوم وابنها عمرو، فكتب الملك عمرو إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويدعو والدته إلى زيارة أمه، فقدم عمرو بن كلثوم في فرسان من بني تغلب ومعه أمه ليلى فنزل على شاطئ الفرات، وعلم الملك عمرو بقدومه فأمر فضربت له الخيام بين الحيرة والفرات، وضرب سرادقا لأميهما: هند وليلى، وقال: لأمه هند، إذا فرغ الناس من الطعام فنحي خدمك عنك ومري ليلى فلتناولك الشيء بعد الشيء يريد أن تستخدمها، ثم أرسل إلى عمرو بن كلثوم ومن معه فحضروا ونزلوا في الخيام، وجلس القوم للطعام في سرادق الملك، فلما انتهى وقت الطعام طلبت هند من ليلى أن تناولها حاجة، فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فألحت عليها، فصاحت ليلى: واذلاه يا آل تغلب فسمعها ولدها عمرو بن كلثوم وكان السرادقان متقاربين، فثار الدم في وجهه والقوم يشربون، فقفز من بينهم إلى سيف ابن هند وهو معلق في السرادق وليس هناك سيف غيره فأخذه فضرب به رأس الملك عمرو ابن هند فقتله وخرج فتبعه أصحابه فانتهبوا ما في الخيام وانهزم رجال عمرو بن هند.
قال أفنون التغلبي:
لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا … لتخدم ليلى أمه بموفق
فقام ابن كلثوم إلى السيف مصلتا … وأمسك من ندمائه بالمخنق
وجلله عمرو على الرأس ضربة … بذي شطب صافي الحديدة رونق
ولعمرو بن كلثوم قصيدة هي من أفضل المعلقات بناها على قتله لعمرو بن هند وسيأتي ذكرها في ترجمته (انظر ديوان الشعراء)، وبعد قتل الملك عمرو تولى مكانه أخوه قابوس بن المنذر الذي تلاه المنذر الرابع الذي ولي بعده ولده النعمان بن المنذر الآتي ذكره.