الكندية عمة امرئ القيس الشاعر، وإليها ينتسب عمرو، كما انتسب أبوه إلى أمه ماء السماء، ولما تملك عمرو وانتظم أمره أكثر الغزو وأظهر قوة وبأسا، فشاع خبره، وهابته العرب، وأطاعته القبائل، وكان شجاعا فاتكا، وأخباره كثيرة، وهو صاحب صحيفة المتلمس (انظر قصتها في ترجمته). وقاتل طرفة ابن العبد (انظر ترجمته)، ويلقب بالمحرق: لشدته وبطشه، أو لأنه أحرق مئة رجل من بني تميم وقصتهم لا بأس بالإشارة إليها، وذلك أن ملوك العرب كانوا كثيرا ما يرسلون أطفالهم إلى بعض القبائل المطيعة لهم ليتربوا بها تربية بعيدة عن زهو الملوك وكبرياء الأمراء قريبة من السذاجة ويتعلموا الفروسية والرماية ومهاجمة الأبطال، وكان لعمرو أخ اسمه أسعد (١)، دفعه أبوه إلى بني تميم يتربى بينهم، فلما ترعرع وأخذ يتعلم الرماية مرت به ناقة سمينة فعبث بها فرماها بسهم أصابها فقتلها، فغضب صاحبها سويد الدارمي التميمي فضرب أسعد فقتله، ثم علم الملك عمرو بن هند بما أصاب ابنه فحلف ليحرقن من بني دارم مئة رجل وقصدهم بجيش حتى بلغ أوارة (موضع لبني تميم بناحية البحرين) فظفر منهم بجماعة فأحرقهم، وبآخرين فألحقهم بهم حتى قتل تسعة وتسعين رجلا فمر رجل من البراجم (وهم خمسة رجال من بني تميم) فشم رائحة الحريق فظن وليمة، ولم يبلغه الخبر، فمال إليه، فلما رآه عمرو بن هند قال: ممن أنت؟ فقال: رجل من البراجم، فقال عمرو: إن الشقي وافد البراجم فأرسلها مثلا، وأمر به فألقي في النار، وبرت يمينه.
وصارت تميم تعير بالشره وحب الأكل. قال شاعر يهجوهم:
إذا ما مات ميت من تميم … فسرك أن يعيش فجي بزاد
وعاد عمرو وقد خافته القبائل، فبينما هو يوما في مجلس له قال لجلسائه:
(١) هذا قول ياقوت في معجم البلدان في كلامه على أوارة (جـ ١، ص ٣٦٤)، وأما ابن الأثير فقال في الكامل: إن أسعد ابن لعمرو بن هند (جـ ١، ص ١٩٩).