ونقلت إلى العربية، وهي مأثرة تذكر، وكانت الرعية كما علمت من ترجمة عمر ابن الخطاب وغيره تتكلم بحضرة الخلفاء وترجع إليهم في جميع أمورها؛ فنهاهم عبد الملك عن ذلك وجعل الكلام لخاصته ومن أراد من العلماء والأمراء.
وهو أول من سك الدنانير في الإسلام، وكان عمر قد سك الدراهم كما أسلفنا، وكأني بعبد الملك اتخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إماما له يقتدي به في سياسته وأعماله فإنه أتم مشروعين جليلين بدأ بهما عمر، وهما: الدواوين، وضعها عمر على نسق الفرس بلغتهم ونقلها عبد الملك إلى العربية، والدراهم: نقشها عمر فتابعه عبد الملك بنقش الدنانير، ولعل هذا كان سر صفاء الأمر له وخلوه من المكدرات.
وفي مراسلاته وكتبه تجد عقلا كبيرا وحبا للخير جما: كتب إليه الحجاج بن يوسف عامله على العراق في شأن عروة بن الزبير عامل اليمن، وكان قد لجأ إلى عبد الملك:
«بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛ فإن لو ذان المعترضين بك وحلول الجانحين إلى المكث بساحتك واستلافتهم دمث أخلاقك وسعة عفوك كالعارض المبرق لأعدائه، لا يعدم له شائما رجاء استمالة عفوك، وإذا أدني الناس بالصفح عن الجرائم كان ذلك تمرينا لهم على إضاعة الحقوق مع كل ضال، والناس عبيد العصا هم على الشدة أشد استباقا منهم على اللين ولنا قبل عروة بن الزبير مال من مال الله، وفي استخراجه منه قطع لطمع غيره فليبعث به أمير المؤمنين إن رأى ذلك والسلام».
فأجابه عبد الملك: «بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد؛ فإن أمير المؤمنين رأك مع ثقته بنصيحتك خارطا في السياسة ضبط عشواء الليل؛ فإن رأيك الذي يسول لك أن الناس عبيد العصا هو الذي أخرج رجالات العرب إلى الوثوب