عليك، وإذا أخرجت العامة بعنف السياسة كان أوشك وثوبا عليك عند الفرصة ثم لا يلتفتون إلى ضلال الداعي ولا هداه إذا رجوا بذلك إدراك الثأر منك، وقد وليت العراق قبلك ساسة وهم يومئذ أحمى أنوفا وأقرب من عمياء الجاهلية وكانوا عليهم أصلح منهم عليك، وللشدة واللين أهلون، والإفراط في العفو أفضل من الإفراط في العقوبة والسلام».
وفي أيام عبد الملك ضبطت الحروف العربية النقط والحركات؛ فعل ذلك نصر بن عاصم النحوي المتوفي سنة ٩٠ هـ، ولما حضرت عبد الملك الوفاة جمع أبناءه وقال يعظهم:
«أوصيكم بتقوى الله؛ فإنها عصمة باقية، وجنة واقية وهي أحصن كهف وأزين حلية، وليعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير مع سلامة الصدور والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف، فيهما هلك الأولون، وذل ذوو العز المعظمون كونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب، وضعوا معروفكم عند ذوي الأحساب؛ فإنهم أصون له وأشكر لما يؤتى إليهم منه، وتعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا، وإن عادوا فانتقموا»، ثم أقبل على ابنه الوليد ولي عهده فقال: «لا ألفينك إذا مت تعصر عينيك! وتحن حنين الأمة! ولكن شمر واتزر والبس جلد نمر! وذلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة؛ فمن قال برأسه كذا (لا) فقل بالسيف كذا (اضرب عنقه)»، والجملة الأخيرة أثبتها مترجموه له مرتين، حين ولي وحين ولى، كما رأيت، ومات في منتصف شوال فدفن خارج باب الجابية.
لخصت هذه الترجمة من الكامل لابن الأثير (المجلد الثالث)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح، والعقد الفريد لابن عبد ربه (ج ٢)، وفوات الوفيات (ج ٢)، والمعارف لابن قتيبة وغيره.