للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختتمت تلك الحروب الهائلة في ذلك السبب التافه حتى اتفق الفريقان على تحكيم رجلين منهما والرضى بما يتفقان عليه فاختار معاوية وأصحابه عمرو بن العاص القائد الداهية، واختار أصحاب علي أبا موسى الأشعري أحد الأشراف وكان في سن الشيخوخة؛ فخدعه عمرو في حديث طويل (تراه في تاريخ الطبري وابن الأثير) فخلع أبو موسى صاحبه عليا، وأثبت عمرو صاحبه معاوية، وعلي في الكوفة ومعاوية في الشام، فانصرف الناس كل فريق إلى صاحبه وسلم أهل الشام على معاوية بالخلافة، وأسف علي على ما كان ثم خرجت عليه الخوارج فما زال في حروب وخطوب حتى اعترضه عبد الرحمن بن ملجم المرادي في شهر رمضان لسبع عشرة خلت منه وهو واقف بباب مسجد الكوفة يصيح بالناس: «الصلاة الصلاة» فضربه بسيفه فأصاب قرنه وفر فشد عليه الناس فأمسكوه، وأخذ علي إلى منزله فجمع بنيه وأوصاهم بما يصلح به دينهم ودنياهم وأمرهم أنه إذا مات فليقتلوا ابن ملجم ولا يمثلوا به، ففعلوا ذلك، ودفن أمير المؤمنين بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة، وقال القلقشندي: دفن بالنجف.

ولم يتسع أجل علي (كرم الله وجهه) لتكون له أوليات كبيرة، وإنما عرف له منها أنه أول من وضع «بيت القصص» وهو غرفة يلقي بها الناس رفاعهم وشكاواهم، وتبعه بمثله بعض خلفاء بني العباس (ذكره ابن أبي الحديد).

وأما خطبه وأقواله فقد جمعت في كتاب سمي «نهج البلاغة» وربما شك بعض الناس في نسبة جميعه إلى علي، وهو في أعلى طبقة من طبقات كلام البشر يحسن بكل مشتغل في اللغة والأدب والإنشاء أن يكثر من تلاوته، وقد شرحه أحد كبار علماء المعتزلة ابن أبي الحديد شرحا وافيا (انظر ترجمة ابن أبي الحديد)، وفي هذا الشرح الكبير تجد جميع أخبار أمير المؤمنين وجانبا عظيما من أخبار صدر الإسلام والمباحث الجدلية والفلسفية النافعة.

<<  <   >  >>