للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ فجعل عمرو يعتذر إليه، ويقول: إني لم أشعر بهذا.

قال الغزالي في إحياء علوم الدين: وشهد عند عمر شاهد فقال: ائتني بمن يعرفك، فأتاه برجل: فأثنى عليه خيرا، فقال له عمر: أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، فقال: كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل؟ قال: لا، قال: أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورا ويرفعه أخرى؟ قال: نعم! فقال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل: اذهب فائتني بمن يعرفك.

وذكر عنده رجل فقيل: يا أمير المؤمنين، فاضل لا يعرف من الشر شيئا، فقال: ذاك أوقع له فيه.

وكتب إلى أبي موسى الأشعري كتابا يوصيه فيه: نقله ابن قتيبة في عيون الأخبار، نصه: «أما بعد؛ فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن تدركني، وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما لله والآخر للدنيا؛ فآثر نصيبك من الله؛ فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، أخف الفساق واجعلهم يدا يدا ورجلا رجلا، وعد مريض المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح لهم بابك، وباشر أمورهم بنفسك؛ فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم حملا، وقد بلغني أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطمعك ومركبك ليس للمسلمين مثلها؛ فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة: مرت بواد خصيب فلم يكن لها هم إلا السمن، وإنما حتفها في السمن، واعلم أن العاقل إذا زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من شقي الناس به والسلام».

<<  <   >  >>