والثاني: قيامه بثأر الحسن والحسين ﵄، فغلب المختار على الكوفة زمن مصعب، وقتل عَمْرو بن سعد بن أبي وقاص، وقتل شِمْر بن ذي الجَوْشَن، فقتل عُبيد الله بن زياد، ثم ظفرَ مصعب بالمختار، فقتل المختار سنة سبع وستين.
وتوفِّي محمَّد بن الحنفيَّة سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين، ثم اختلفَتْ الكيسانيَّة بعد محمَّد بن الحنفيَّة في سوق الإمامة، وصار كلُّ اختلاف مذهبًا؛ بعضهم قالوا بانتقال محمَّد بن الحنفيَّة إلى رحمة الله تعالى، وانتقال الإمامة منه إلى ابنه أبي هاشم (١)، فإنّه أفضى إليه أسرار العلوم، وأطلعه على تطبيق الآفاق والأنفس، وتقدير التَّنزيل على التَّأويل، وتصوير الظاهر على الباطن، وأوصل العلم الذي استأثره أبوه علي بن أبي طالب إلى ابنه أبي هاشم، فكلُّ من اجتمع فيه هذا العلم فهو الإمام حقًّا.
واختلفَتْ هذه الفرقة؛ فبعضهم قالوا: إنَّ أبا هاشم مات منصرفًا من الشام بأرض الشراة، وأوصى إلى محمَّد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأنجزَتْ في أولاده الوصيَّة، حتى صارت الخلافة إلى بني العبَّاس، ولهم في الخلافة حقٌّ لاتصال النسب، وقد توفِّي رسول الله ﷺ وعمَّه العبَّاس أولى بالوراثة لابن أخيه ﷺ.
وفِرَقٌ أخرى قالوا ما قالوا من الأقوال الفاسدة والآراء الباطلة الكاسدة، ثم إنَّ بعض الكيسانيَّة يعتقدون أنّ محمَّد بن الحنفيَّة لم يمت، وأنه في رضوى بين أسد ونمر يحفظانه، وعنده عينان نضَّاختان تجريان بماء وعسل، يعود بعد الغيبة، فيملأ العالم عدلًا كما مُلئ جورًا، حتى اعتقدوه دينًا وركنًا من أركان التشيُّع، فنعوذ بالله من سوء الظن، واليقين الباطل، واقتران أهل الضلال.
وكان السيِّد الحِمْيَري وكُثَيِّر عَزَّة الشَّاعر المذكور من الكيسانيَّة، قال كُثَيِّر: