ثمَّ الحمدُ على ما أسبغ من نعمائه المتوافرة، وآلائه المتكاثرة، على هذا العبد الذَّليل الفقير، إلى رحمة الله الغنيِّ الجليل القدير، خادم ديوان الشَّرع المصطفوي، محمود بن سليمان الشَّهير بالكَفَويِّ، بصَّره الله تعالى بعيوب نفسه، وختم له بالخير آخر نَفَسه، وجعل يومه خيرًا من أمسِه، حيث وفَّقه (١) في العقائد حقِّها وأتقنها، ويسَّره من المذاهب أصوبها وأوزنها، وأعطاه من العلوم أشرفها، وأولاه من الفنون ألطفها.
ومن لطائف تلك النِّعَم (٢) الجليلة، وجلائل هاتيك الآلاء الجزيلة، ساقه إلى جميع أخبار فقهاء الأعصار، من ذوي الفُتيا وقضاة الأمصار من لدن نبيِّنا ﷺ إلى مشايخنا في تلك الأوان، حسبما قضوا وأفتوا وأفادوا واستفادوا في دورهم من أدوار الزَّمان.
ولقد كنَّا في أثناء بعض اللَّيالي، من أوقاتنا في بعض الزَّمان الخالي، نَسامُ بأهالي البلاد والأقاصي، الَّتي كنَّا نكون بها القاضي، ونجوِّد ما جنيناه في طيب أيامنا المواضي، من ثمرات أفانين العلوم على أهل النَّادي، فكلَّما انساق عَنان الكلام في بِيْدِ بيان الفقهاء وشيوخ الإسلام إلى مرويَّات الأئمَّة الحنفيَّة ومحكيَّات المشايخ الحنيفيَّة، وجدنا أكثرهم غافلين عن أصحابنا القائلين بما كانوا به عاملين، لا يفرِّقون التِّلميذ عن الأستاذ، ولا يميِّزون ذوي التَّقليد عن أهل الاجتهاد، فحثُّوني على كَتْب "كتائب أعلام الأخيار وطبقات ذوي الفُتيا وقضاة الأعصار".
فجمعْتُ مشايخ المتقدِّمين والمتأخِّرين وعلماءَنا المقلِّدين والمجتهدين من فقهاء الأعصار (وقضاة الأمصار)(٣) والأقطار، بأسانيدهم وعنعناتهم، على حسب
(١) في هامش ض (التوفيق: تهيئة أسباب الخير، وتنحية أسباب الشَّر منه). (٢) أ: العلوم. (٣) ساقطة من: أ.