وكان شريح ﵀ مزَّاحًا، تقدم إليه رجلان في شيء فأقرَّ أحدهما بما ادَّعى عليه صاحبه (١) وهو لا يعلم، فقضى عليه شريح، فقال: أتقضي عليّ بغير بيِّنة، قال: قد شهد عندي ثقة، قال: ومن هو، قال: ابن أخت خالتك (٢).
[وذكر الشَّيخ الإمام علاء الدِّين محمَّد السَّمَرْقندي في "تحفة الفقهاء": إذا كان الزوج غائبًا فطلبت فرض النفقة من القاضي وسماع البيِّنة منها على الزوجية وقيام المال في يد إنسان أمانة أو وديعة أو مضاربة ونحو ذلك، ولا علم للقاضي، لا يجيبها إلى ذلك، ولا يحكم عليه، وهذا قول أبي حنيفة الأخير، وهو قول شريح. وكان قوله الأول أنَّ القاضي يقضي لها، وهو قول إبراهيم النَّخَعي، والصحيح قول شريح؛ لأنَّ هذا قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر، وأنه لا يجوز عندنا، انتهى.
وذكر الزَّيْلَعِي: وقال زفر: يسمع بينتها، ولا يقضي بالنكاح، ويعطي النفقة من مال الزوج إن كان له مال، وإن لم يكن له مال يؤمر بالاستدانة؛ لأنّ في قبول البيِّنة بهذه الصفة نظرًا لها، وليس منه ضرر على الغائب، وهو قول أبي حنيفة أوَّلًا ثم رجع عنه، انتهى.
قال مولى خُسْرَو في "الدرر والغرر": وقال زفر: يقضي بها لا به؛ أي: بالنَّفقة لا النِّكاح، لأنَّ فيه نظرًا لها، ولا ضرر على الغائب، فإنّه لو حضر وصدَّقها فقد أخذت حقَّها، وإن جحد يحلف، فإن نكل صدق (٣)، وإذا أقامَتْ بيِّنة فقد ثبت حقها، وإن عجزت يضمن الكفيل أو المرأة، ويقول زفر: يعمل للحاجة إليها دونه.
(١) ع: الآخر. (٢) رواه ابن حيان في "أخبار القضاة" (٢/ ٢٨٠)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٣٥). (٣) في الأصل: صدقها. ولعل الصواب ما أثبت.