«ماربين» في كتاب له سماه «السياسة الإسلامية» بما لا أرى مناصا من التفكير فيه. قال «ماربين»: «مات الرجلان العظيمان علي ومعاوية وتركا في الصدور أضغانا وجاء ولداهما: الحسين بن علي، ويزيد بن معاوية، والأول طامح، والثاني يراقبه ولا يستطيع البطش به. أما الحسين فلا أعلم في أصحاب الديانات من اختار سياسته المؤثرة؛ فإنه لما وجد قوته وقوة قومه ضعيفة بجانب قوى يزيد فكر في عمل كبير صرح به لقومه، وهو أنه يريد المسير إلى الموت .. وعلى أثر ذلك جمع نساءه وأطفاله وخرج من المدينة فلحق به عدد من أقربائه وأصدقائه .. ليس اختياره أخذ أطفاله إلا لحكمة كان يعلمها ويسعى إليها. أيقن أنه لابد ليزيد من قتله فأراد أن تكون المصيبة عامة، فاستصحب صغاره وهو معتقد أن يزيد سيفتك بهم جميعا، راقه ذلك لأنه علم أن الثورة الهاشمية لا يثيرها على بني أمية إلا دافع مؤثر يثب بالأمة الإسلامية جمعاء وثبة الحزن والإشفاق، وثبة التألم والغضب، وهي الأمنية التي كان يسعى إليها الحسين بأخذ أطفاله وصغاره، ولذلك كان؛ فإنها لم تقع الواقعة حتى نفرت من يزيد قلوب أخصائه، وما بلغت سبايا الحسين مدينة دمشق حتى تهيأت الثورة على يزيد، وما هي إلا أعوام قلائل تركت آل يزيد طعما للسيوف وشيدت على أثرها دعائم الخلافة الهاشمية العباسية .. لم يذكر لنا التاريخ رجلا ألقى بنفسه وأبنائه وأحب الناس إليه، في مهاوي الهلاك والفناء، إحياء لدولة سلبت منه إلا الحسين، ذلك الرجل الكبير الذي عرف كيف يزلزل ملك الأمويين الواسع، ويقلقل أركان سلطانهم».
واستطرد الباحث إلى الكلام على الشيعة مما لا دخل له في بحثنا، وقد نقلت بعض مباحث كتابه إلى الفارسية والعربية، وكان لما فكر به مناصرون ومؤيدون، وهو رأي حسن على علاته؛ فإن الحسين إنما قصد الكوفة وهو واثق بنصرة أهلها، وأخذ أطفاله ونساءه للسكنى بها، ولئن صح تفكير الحسين بذلك ليكون دليلا ثابتا على ما كان يوصف به من سعة العقل وجودة الروية.