للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابنته سلمى فأعجبته فتزوجها ولما عاد من سفره أخذها معه إلى مكة، ثم أراد السفر إلى الشام فأخذها إلى المدينة على أن يعيدها عند رجوعه وكانت حبلى، فلما بلغ غزة مات بها (كما تقدم في ترجمته)، وولدت سلمى غلاما شيبة (أو شيبة الحمد) فنشأ في المدينة، وبعد نحو سبع سنين مر بالمدينة رجل من بني الحارث؛ فإذا غلمان ينتضلون (يتبارون في رمي السهام) وشيبة بينهم كلما أصاب قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء، فقال له الحارثي: من أنت؟ قال: أنا ابن هاشم بن عبد مناف، فلما أتى الحارثي مكة أخبر المطلب بن عبد مناف (أخا هاشم) بما رأى وما سمع، فسر المطلب وركب وارتحل إلى المدينة فرأى غلمانا يضربون كرة فعرف ابن أخيه فأخذه واستأذن أمه وأركبه على عجز الناقة حتى قدم مكة ضحوة والناس في مجالسهم فسألوه: من هذا وراءك؟ وكانت بزته غير حسنة فخجل أن ينسبه لهم فقال: عبد لي، ثم ألبسه حلة تليق به وأخرجه للناس فحدثهم بخبره؛ فكان بعضهم إذا ذكروه قالوا: عبد المطلب فغلب عليه، ثم شب بينهم فكانت له السقاية والرفادة، ولاحت عليه أمارات السيادة والإمارة وكان عاقلا ذا أناة ونجدة وخبرة فأحبه قومه؛ فرفعوا من شأنه وطال عمره، وحفر بئر زمزم، وهي البئر التي احتفرها إسماعيل بن إبراهيم ودفنتها جرهم، فأعادها وظهر ماؤها. وكان فصيح اللسان حاضر الجنان، وفد بجماعة من قريش على ملك اليمن سيف بن ذي يزن الحميري حين أدرك ملك آبائه، يهنئونه بالنيابة عن أهل الحجاز، فلما دخلوا عليه، استأذنه عبد المطلب في الكلام، فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك أذنا، فقال عبد المطلب: «إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا، صعبا منيعا، باذخا شامخا، وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، في أكرم معدن، وأطيب موطن، فأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي به تخصبه، وملكها الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي إليه يلجأ

<<  <   >  >>