قال ابن شفدة في المنتخب: عبد الرحمن الناصر أعظم أمراء بني أمية في الأندلس، كان كبير القدر، كثير المحاسن، محبا للعمران، مولعا بالفتح وتخليد الآثار، أنشأ مدينة الزهراء وهي عديمة النظير في الحسن وبنى بها قصر الزهراء المتناهي في الجلالة، وقال المؤرخ المقري في وصف القصر: أطبق الناس على أنه لم يين مثله في الإسلام البتة، بل لم يسمع بمثله، بل لم يتوهم كون مثله! والمؤرخون يبالغون في مقدار ما أنفق على الزهراء. قال ياقوت:
مدينة صغيرة قرب قرطبة بالأندلس اختطها الناصر .. وعملها متنزها له وأنفق في عمارتها من الأموال ما تجاوز فيه حد الإسراف وجلب إليها الرخام من أقطار البلاد وأهدى إليه ملوك بلاده من آلاتها ما لا يقدر قدره وكان الناصر هذا قد قسم جباية بلاده أثلاثا: ثلث لجنده، وثلث لبيت ماله، وثلث لنفقة الزهراء وعمارتها .. بدأ فيها سنة ٣٢٥ هـ، ومات سنة ٣٥٠ هـ وهو لا يزال ينفق على تحسينها وتزيينها.
كان الناصر أبيض أشهل حسن الوجه ربعة عظيم الجسم، قصير الساقين، ركاب سرجه يقارب الشبر، طويل الظهر جميلا بهيا يخضب بالسواد، طالت أيامه فحكم خمسين سنة وستة أشهر، وكان حريصا على الملك يقظا ومن عجيب أمره في هذا الشأن ما رأيته في كتاب الطبقات للسبكي (ج ٢، ص ٢٣٠)، قال في ترجمته عبد الله ابنه: عبد الله .. هو ابن الخليفة الناصر صاحب الأندلس كان فقيها شافعيا أديبا متنسكا شهما سمت نفسه إلى طلب الخلافة في حياة أبيه وتابعه قوم وأخفوا أمرهم وبيتوا على اغتيال والده وأخيه المستنصر ولي عهد أبيه، فبلغ أباه، فما لبث أن سجنه وسجن من اطلع على أمره من متابعيه، ثم أخرجه وأخرجهم يوم عيد الأضحى سنة ٣٣٩ هـ من الحبس وأحضره وأحضرهم بين يديه وقال لخواصه: هذا ضحيتي في هذا العيد، ثم اضطجع له ولده وذبحه بيده، وقال لأتباعه ليذبح كل أضحيته، فاقتسموا أصحاب ولده