للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذبال المشتعل فإنه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنها اشتعال وهي انطفاء».

انتهى أمر الخلفاء العباسيين إلى السابع والثلاثين منهم وهو آخرهم في القطر العراقي، أبو أحمد عبد الله ولقبه المستعصم بالله بن المستنصر بالله، بويع بعد وفاة أبيه باتفاق آراء رجال الدولة ووزرائها عليه (سنة ٦٤٠ هـ)، فلما ولي الخلافة كان مثال الضعف والوهن والانقياد إلى اللهو والعكوف على الدد فألقى زمام الملك إلى الأمراء والقواد واعتمد في أكثر الشؤون على وزيره مؤيد الدين ابن العلقمي، وكان يتشيع للعلويين، وقد علمت من ترجمة المستنصر السابقة أن المغول عظم أمرهم وخيف شرهم فأشار بعض الناجمين على المستعصم أن يتخذ الحيطة لدرء هجماتهم وأن يعد جيشا يقوى به عليهم فغلبت عليه غفلته فقال: «إن هؤلاء لا يطمعون بإخراجي من دار ملكي وهم يكتفون مني بأن أترك لهم البلاد ويدعوا لي بغداد وهي تكفيني!».

واتفق أن فتنة حدثت في بغداد بين رجال السنة والشيعة العلويين وهذا مرض قديم في الإسلام ولد منذ توفى الله نبيه محمدا وانحاز فريق من أهل الإسلام يرون أن عليا أجدر بالخلافة بعد ابن عمه ثم اتسع ذلك الخرق بعد زمن فكان في المسلمين الداء الذي لا يحسم والعلة التي لا تشفى وهو حتى اليوم سبب تأخر المسلمين الأعظم، وعلة تفرقهم، ومنشأ نزاعهم، وحكماء الفريقين دائبون على إصلاح ذات البين ولا أراهم يوفقون إليه إلا بعد أن لا يبقى غير الندم والأمل الأكبر بزوال تلك الشنشنة معقود بناصية دور العلم الحديث والفنون فإذا اشتغل فيهما المسلمون وعرفوا حقائق الأديان وسبروا أغوار السياسة والاجتماع كان لهم من أنفسهم زاجر ولكنني أقول:

فيا دارها بالخيف إن مزارها … قريب ولكن دون ذلك أهوال

<<  <   >  >>