للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اصطناع الناس ويفعل الخير ويسارع إلى أعمال البر والمثوبات مشكور المساعي لا يرد مكرمة تطلب منه، وكان كثير الوثوق بمن يوليه غير مصغ إلى سعاية ساع ولا ملتفت إلى قوله واشي، ولم يعرف عنه التلون أو انحلال العزم بأقوال أصحاب الأغراض، وهذه من أحسن خصال الحزم؛ فإن الملك والأمر إذا ضعفت ثقته برجاله تلاعب فيه الناس وسلكوا به كل مسلك ولم تبق له إرادة يعزم بها على المهمات وكيف يخلص الوزير أو المستشار في خدمة مولاه وهو يعتقد أن كلمة من عدو أو وشاية من حاسد تزلزل منزلته وتذهب بإخلاصه وخدمه، على أن هذه الحسنة ربما انقلبت سيئة إذا لم تتخذ الحيطة في شأنها، فإن صاحب الأمر لا ينبغي له إذا وثق أن يفرغ ثقته ويستنيم إلى صاحبه بحيث لا ينظر في شيء يرد عنه، بل لابد لمن ولي من أمور الناس جانبا أن يكون شديد الثقة في غير اطمئنان، كثير الحذر في غير استرابة، وإلا فلا يتم له أمره، وكان المستظهر عارفا بالأدب والإنشاء والشعر، وله توقيعات لا يقاربه فيها أحد تدل على فضل غزير وعلم واسع، وباسمه ألف العلامة الغزالي كتابه في التاريخ الذي سماه «المستظهري».

وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوما، ومات ببغداد وله من العمر واحد وأربعون عاما وستة أشهر، ودفن في حجرة له كان يألفها وقد عهد بالخلافة من بعده إلى ولده الفضل الملقب بالمسترشد بالله.

* *

وكان المسترشد بالله شهما شجاعا بعيد الهمة فصيحا بليغا جيد التوقيعات واسمه الفضل وكنيته أبو منصور، إلا أنه ارتكب خطأ ذهب بحياته وأخر دولته بعد تقدمها، وذلك أنه بلغ من أمر الخلافة العباسية أن أصبح الحكم فيها لرجلين أحدهما الوازع السياسي المنفذ وهو صاحب الحل والعقد والأمر والنهي في

<<  <   >  >>