للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليت هشاما كان حيا يسومنا … وكناكما كنا نرجى ونطمع

ثم أتوا يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأرادوه على البيعة فأطاعهم فبايعوه وانعقدت له البيعة سرا وفشت الدعوة إليه في الناس واستفحل أمره وشعر بهم الوليد فأراد تجهيز جيش فرأى الناس عنه راغبين فنهض برجاله يقاتل يزيد وأشياعه فنشب القتال، ثم انهزم الوليد فدخل قصر النعمان بن بشير في البخراء بظاهر دمشق وأغلق الباب، ثم أطل على الجماهير، وقال: أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه؟ فأجابه رجل من أصحاب يزيد، فقال: ألم أزد في أعطياتكم، ألم أرفع المؤن عنكم، ألم أعط فقراءكم، ألم أخدم زمناكم، قالوا: بلى! ولكنك انتهكت حرمة الله وشربت الخمر واستخففت بأمر الله، فعلم أنه لا سبيل لإقناعهم فعاد فأخذ مصحفا وجلس يتلو، فدخلوا عليه، فقال: يوم كيوم عثمان! فقتلوه.

وذلك سنة ١٢٦ هـ، ومدة خلافته سنة وستة أشهر، وله من الكلام ما هو غاية في بلاغته: يذكر أنه لما مات مسلمة بن عبد الملك قعد هشام للعزاء فأتاه الوليد يجر مطرف خز عليه، فوقف على هشام فقال: «يا أمير المؤمنين إن عقبى من بقي لحوق من مضى، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى واختل الثغر فهوى، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى»، فأفحم هشام ولم يجبه، ومن شعره قوله في نصرانية اسمها شقراء:

أضحى فؤادك يا وليد عميدا … صبا قديما للحسان صيودا

من حب واضحة العوارض طفلة … برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

ما زلت أرمقها بعيني وامق … حتى بصرت بها تقبل عودا

عود الصليب فويح قلبي من رأى … منكم صليبا مثله معبودا

فسألت ربي أن أكون مكانه … وأكون في لهب الجحيم وقودا

<<  <   >  >>