ولسْتُ بزاجرٍ عَنْسًا بُكُورًا … إلى بطحاءَ مكَّة للنَّجاح
ولسْتُ بزائرٍ بيتًا عتيقًا … بمكَّة أبتغي فيه صلاحي
ولسْتُ بقائمٍ كالعير أدعو … قُبَيلَ الصُّبح حيَّ على الفلاح
ولكنِّي سأشربها شمولًا … وأسجدُ عند مُبتلجِ الصَّباح (١)
والله لا يدخل عليَّ، وهو كافر أبدًا، فمن سوى ما ذكرت؟ قال: جرير، قال: أما إنِّه الذي يقول:
طرقَتْكَ صائدةُ القلوبِ وليسَ ذا … حين الزِّيارةِ فارجعي بسلامي
فإن كان ولا بدَّ فهو الذي يدخل، فلما مَثل بين يديه، قال: يا جرير! اتقِّ اللهَ ولا تقول إلا حقًّا، فأنشد قصيدته الرَّائية التي منها:
إنا لنرجو إذا ما الغيْثُ أخلَفَنا … من الخليفةِ ما نرجو منَ المطرِ
نالَ (٢) الخلافة إذا كانَتْ له قَدرًا … كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ
هذي الأرامِلُ قد قضَّيْتَ حاجَتها … فمَنْ لحاجةِ هذا الأرمَلِ الذَّكَرِ
الخير ما دُمْتَ حيًّا لا يفارِقُنا … بوُركْتَ يا عمرَ الخيراتِ من عمرِ (٣)
فقال: يا جرير! ما لك في الذي هاهنا من حقِّ مال؟ قال: بلى، يا أمير المؤمنين! إنِّي ابن سبيل، ومنقطِع، فأعطاه من طيب ماله مئة درهم. وقال له: ويحك يا جرير! لقد ولِّيت هذا الأمر، وما نملك إلا ثلاثمئة درهم، فمئة أخذها عبد الله، ومئة أخذتها أم عبد الله، يا غلام أعطه المئة الباقية، قال: فأخذها جرير، وقال: لهي والله أحبُّ مما
(١) انظر: "ديوان الأخطل" ط. دار الكتب العلمية (ص: ٧٢). (٢) ض: قال. (٣) انظر: "ديوان جرير" (ص: ٣٧٤).