في كتب الأصول في باب السُّنة: إذا عمل الراوي بخلاف الخبر بعد أن يبلغه ما هو خلاف بيقين، فإن ذلك جرح فيه، لأنَّ ذلك العمل إذا كان حقًّا فقد بطل الاحتجاج به، وإن كان خلاف الخبر باطلًا فقد سقطت به روايته، إلا أن يعمل ببعض ما يحتمله الحديث.
قال في "التنقيح"(١): كحديث ابن عمر ﵄ في رفع اليدين في الركوع (٢)، قال مجاهد: صاحبت ابن عمر عشر سنين فلم أره يرفع يديه إلا في تكبيرة الافتتاح. قال العلامة المولى ابن كمال باشا في "تغيير التنقيح": وفيه قصور إذ لا دلالة فيما ذكره على أن صحبته كانت بعد الرواية، وقد يُجاب عنه بأن مُجاهدًا تابعي ولا شك في أنه صحب ابن عمر بعد ما رأى فعل النبي ﷺ. ولو كان رأى ابن عمر أنّ رسول الله ﷺ رفع يديه حيث ركع وحيث رفع رأسه لما ساغ له العمل بخلافه بعد وفاة رسول الله ﷺ.
ذكر حافظ الدِّين ابن البَزَّازي في "مناقب أبي حنيفة" عن سفيان بن عيينة قال: اجتمع الإمام أبو حنيفة مع الإمام عبد الرَّحمن الأوزاعي في المسجد الحرام، فقال له: مالكم أن لا ترفعوا أيديكم عند رفع الرأس من الركوع؟ قال: لأنه لم يصحَّ فيه عن رسول الله ﷺ. فقال: كيف وقد حدثني الزُّهري عن سالم، عن أبيه، عنه ﷺ: أنَّه كان يرفع يديه عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع؟ فقال: أخبرني حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود، عن عبد الله بن مسعود ﵁:: أنَّ النبيَّ ﷺ كان لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح، ثم كان لا يعود لشيء من ذلك (٣).
(١) عبيد الله بن مسعود المحبوبي، التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه ٢: ٢٨. (٢) رواه البخاري (٧٣٥)، ومسلم (٣٩٠). (٣) انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (١/ ٢٢١).