القلب ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ وهي السر ﴿أَنْ يَامُوسَى﴾ وهو المحب المشتاق ﴿إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠] الذي خلقت العالمين، وربيت خواص عبادي بلبان المحبة عن ثدي ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾، أنا المحبوب فأين أنت يا محب؟ أنا المطلوب فأين أنت يا طالب؟
ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي، وأنا أشد شوقًا إلى لقائهم، فلما دارت كؤوس الملاطفات وأقداح المعاشقات بين المحب والمحبوب جعل يتساكر المحب ويتجاسر مع المحبوب، وبلسان الانبساط على بساط القرب يقول: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] ليصير الإيمان عيانًا والغيب عيانًا، نودي من سرادقات العزة: ما هذه العزَّة؟ ألم تعلم بأنه ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ٢٦] وإنك مع أحديتك لن تطيق شهود أحديتي، وإن أتجل فإنك ﴿لَنْ تَرَانِي﴾، وإن لم (١) تؤمن بأن مع تجلي أنانيتي لا يستقر أنانية شيء، ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ مع استقرار جبل أنانيتك على مكان وجودك، ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ﴾ أنانيته ﴿دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى﴾ نفس المحب من الوجود ﴿صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ﴾ عن سكر شراب الأنانية شاهد قوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ مع حجاب وجود الأنانية، فتاب عن ذنب الأنانية، وآمن إيمان المرتبة بالغيب الذي هويته، وقال: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] بأن هويتك غيب لا يعلم الغيب إلا الله.
فالإيمان بهذا الغيب يكون بقدر غيبوبة الأنانية بشهود الغيب، فكلما ازداد غيبوبته ازداد إيمانه، والغيبوبة لا تحصل إلا بجذبات شواهد الغيب، وهي مودعة في إدامة الصلاة، فلهذا قال عقيب: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قوله: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾، والغيب ما لا تدركه الحواس الظاهرة، وتدركه الحواس الخمس الباطنة، وهي: العقل والقلب